وصف الكتاب:
“لم يملّوا من النظر بإعجاب إلى النهر (…) ليس مارتا وفانسنت فقط وإنما جميع الآخرين الذين جاؤوا من تلك البلدان، حيث كانت الأرض، بسبب قلة المياه، متصحرة وقاحلة، ولم يبق سوى الحيوانات العنيفة، والإنسان الأكثر عنفاً. لقد كانوا متكئين على الدرابزين يتبادلون بعض الكلمات، وكان جوهر حديثهم يتركز حول ما يمكن القيام به من مشاريع في سان باولو. لم يكن يتوقع أحد منهم أن يحصلوا على المال بسهولة، لكن ما كانوا يأملون به هو أن يكون موجوداً، وألّا تكون الأرض قاحلة، ومن الصعب الحصول عليها بالقدر الذي كانت فيه الأرض التي غادروها لتوّهم”. فبعد أن طردوا من المزارع التي جرى بيعها، قام المستوطنون بهجرة عبر سهول السرتاو القاحلة، هجرة لم تلبث أن اتخذت أبعادَ ملحمةٍ حقيقيةٍ… لقد كان عليهم أن يواجهوا! الجوع، المرض، الكشافة، وكذلك تلك العصابات التي تفرز الشقاء، والتي يمكن أن نصادفها، وأخيراً الموت. وبالقدر الذي كان يقلقهم فيه الجوع، فإن هؤلاء الرجال والنساء مهجوسون بالحلم بألدورادو حيث أنّ تصوراتهم عن سان باولو كمدينة لا تزال خيالية، وعليهم أن يصلوا إليها وتتملكهم الرغبة الجامحة وهم على أفضل حال. جورجي أمادو هو آخر الروائيين العالميين الذين تطلق عليهم صفة الموسوعيين مثل أساطير الرواية الكلاسيكية؛ ليون تولستوي، فيدور دوستويفسكي وتوماس مان وغيرهم. فلم يترك علماً أو فنّاً إلّا وطرق بابه، ولا حرفة إلا وخاض غمار البحث فيها بخبرة المعلّم ذي العين البصيرة النفّاذة، فكان أدبه الروائي موسوعياً غنيّاً بعوالم شتى، إلى الدرجة التي يمكن الاطلاع من خلالها على حياة البشر في مختلف طبقاتهم الاجتماعية ومهنهم المختلفة، في نسيج تأتلف فيه الأحداث مع الشخصيات في أسلوب واقعي حتى ولو وظّف الخيال أحياناً لإثراء السرد والعوالم التي تحويها روايته، كمراقب لمسار الحياة المتنوّعة، في بيئات يصبح تنافرها موضوعاً لغنى هذه الرواية.