وصف الكتاب:
لم تثر فلسفة في القرن السابع عشر من النقد وردود الفعل المختلفة مثلما أثارته فلسفة توماس هوبز 1588- 1979، ويعود هذا الأمر إلى الطابع المميّز الذي اتّسم به الخطاب الفلسفي عموماً في هذه الفترة والفلسفة الهوبزية على وجه الخصوص. ولعل من أهمّ الأسباب التي دعتنا إلى إختيار البحث في هذه الفترة المحددة، القرن السابع عشر، هو أهميتها التأسيسية لا في مجال العلم والفلسفة فحسب بل وفي مجال السياسة كذلك، فلئن كان غاليلي وميرسون وهويغنر قد اعتبروا، في مجال العلم، هو أوّل من وضع النواة التأسيسية التي انبثق عنها، في القرون التالية، ما أصبح يعرف بالثورة العلمية الكبرى التي قلبت رأساً على عقب التصوّرات "العلمية" التقليدية؛ وديكارت هو الفيلسوف الذي ارتبط اسمه أكثر من غيره، في مجال الفلسفة، بما أصبح يسمّى بفكر الحداثة من حيث هو فكر تأسيسي، وغروتيوس وبفاندوروف قد اشتهرا في مجال القانون وفلسفة الحقّ الطبيعي، فإن ماكيافيللي، هوبز وروسو هم الآباء المؤسسون للفلسفة السياسية الحديثة، كما ذهب إلى ذلك بيير مانان في كتابه: "Naissances de la politique moderne, Machiavel, Hobbes et Rousseau". فالقاسم المشترك الذي يجمع بين هؤلاء الثلاثة هو الإرادة التأسيسية والرغبة في القطع مع القديم في كل أشكاله مهما كانت بواعث هذه الإرادة: علمية، سياسية أو لإعتبارات أخرى، فالسمة العامة لهذه الفترة هي أنها حاولت أن تقدّم لنا فكراً إفتتاحياً لم تستطع الثورات العلمية والفلسفية اللاحقة أن تتجاوزه تماماً وتقطع معه بصفة نهائية كما تجاوزت هي وقطعت مع العهد القديم والوسيط. وهذا الأمر يبدو جلياً مع هوبز الذي حاولنا أن نكشف جوانب الإرتباط القائمة بينه وبين عدد من الفلاسفة مثل سبينوزا وديكارت وبرامهول وكانط وهيغل ونيتشه آخذين في الإعتبار في كل مرّة أوجه الإختلاف القائم بين المشروع الفلسفي الهوبزي وبين المقاربات الفلسفية المختلفة لهؤلاء. ثم إن النزر القليل من الكتب التي تناولت فكر الفيلسوف لم تكتشف حتى الآن سوى الجانب السياسي المحض دون الأخذ في الإعتبار محدّدات هذا الجانب خصوصاً من الأنثروبولوجيا علوم الطبيعة، ومن ثم، فإن هذه الدراسات، بإستثناء بعض المحاولات، قد عملت على تقليص فكر الفيلسوف في جانب واحد من جوانبه، في أنها لم تتفطّن إلى الجانب العملي الذي قد يعادل كمّاً الجانب السياسي في أعماله، كما أنها لم تقدم للقارئ فكرة واضحة وناجزة عن الإرتباط المحكم بين "السياسي" و"الأنثروبولوجي" في فكر هوبز، ولا عن ضرورة هذا الإرتباط التي أشار إليها الفيلسوف أيّما مرة. وإلى هذا، فإن الباحث وعلى الرغم من تقصيره عن تناول الجانب العلمي، وذلك لإعتبارات أكاديمية محضة تتلخص في إطاري الزمان والمكان، إلا أنه حاول مع ذلك تدارك ذاك الشقّ في ما يتعلق بالشق الثاني المتعلّق بالروابط القائمة بين السياسي الأنثروبولوجي في النسق الهوبزي؛ وهذا ما يشهد عليه عنوان هذا الكتاب "العقل والحرية في فلسفة توماس هوبز السياسية". أما السبب الآخر الذي دعى الباحث لإختيار هذا الموضوع، فهو يتعلق بإعتبارات لغوية وحضارية تعود إلى غياب مفكر كبير وعميق مثل هوبز عن المكتبة العربية، لذا جاءت مساهمته هذه لتكون حافزاً على تناول فكر الفيلسوف في جوانبه المختلفة من قبل الدارسين، وأن تكون كذلك نبراساً يسلط بعض الضوء للقارئ العربي على جوانب محدودة للغاية من فلسفة هوبز بصورة عامة.