وصف الكتاب:
إن تطبيق العدالة في مجتمع من المجتمعات، والحكم بموجبها في منازعات الناس وخلافاتهم، يتطلب نظاماً قضائياً واسعاً، كما يوجب تهيئة الظروف الملائمة بما في ذلك تعيين عدد كبير من القضاة، الذين تناط بهم مسؤولة القضاء والحكم بين الناس. هذا وقد أولى الإسلام العدالة أهمية خاصة، ومنذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وطيلة العهد الراشدي والأموي، كانت عناية الدولة ورعايتها للقضاء والقضاة ظاهرة واضحة المعالم، حتى إذا جاء العباسيون للحكم أولوا مؤسسة القضاء كبير اهتمامهم، فجعلوا تعيين القضاة وعزلهم من صميم اختصاصاتهم الخليفة، بعد أن كان الأمر متروكاً بيد ولاة الأقاليم. ولم يكتف العباسيون برعاية هذه المؤسسة والعمل على تطوير فعاليتها، بل أوجدوا منصب قاضي القضاة ليعمل مع الخليفة في إدارة هذه المؤسسة وتسيير شؤونها. فكان استحداث مثل هذا المنصب دليلاً على اهتمام العباسيين بالقضاء وتقديراً منهم لمكانته في جهاز الدولة. هذا وإن استحداث منصب قاضي القضاة في العصر العباسي الأول، ولأول مرة في تاريخ القضاء الإسلامي، ظاهرة تلفت النظر، وتعطي الدليل على قابلية الحضارة العربية الإسلامية على التطور التكيف والانسجام مع متطلبات تقدم المجتمع وحاجاته إلى نظم ومؤسسات جديدة، ولعل ذلك ما من البواعث التي خفرت الباحث لدراسة منصب قاضي القضاة والوقوف على مشكلاته، سواء كان ذلك في جذوره النظرية أو تطبيقاته العملية. وقد انتظمت هذه الدراسة في ستة فصول: تمّ في الفصل الأول بحث مفهوم القضاء في اللغة والاصطلاح ثم الإشارة إلى الجذور التاريخية لمنصب القاضي في الإسلام اعتقاداً من الباحث بأن ظهور منصب قاضي القضاة، وإن كان في العصر العباسي الأول، فهو وليد التطور التاريخي لمؤسسة القضاء منذ القرن الهجري الأول. وفي الفصل الثاني تمت مناقشة آراء بعض المستشرقين الذين أشاروا إلى أن قاضي القضاة العباسي، هو البديل للموبذان موبذ الفارسي، وأن العباسيين أخذوا هذا المنصب من الفرس، فهم الذين كان لهم قاض للقضاة باسم الموبذان موبذ. وأما الفصل الثالث فقد انصب البحث فيه على مراسيم تقليد قاضي القضاة في العاصمة العباسية، ومؤهلاته العلمية والشخصية التي ترشحه التي ترشحه لهذا المنصب، مع ذكر للجامع الذي يقرأ فيه كتاب التقليد والخلع التي تخلع عليه. وتضمن الفصل الرابع دراسة وافية وموسعة بعض الشيء عن ممارسة قاضي القضاة لسلطاته في إدارة القضاء والحكم بين الناس. وخصص الباحث الفصل الخامس لدراسة هذه المسؤوليات التي ظهرت واضحة، في المشادرة والإفتاء في مصالح الدولة وشؤون الرعية، والمساهمة في محنة القول (بخلق القرآن) ونيابته في الوزارة وتوليه مهمة السفارة بين الخليفة والأمراء والسلاجقة والإشراف على الأوقاف وأموال الأيتام والحسبة ببغداد. وفي الفصل السادس والأخير تناول الباحث آداب قاضي القضاة، ويشمل ذلك آدابه في نفسه، وآدابه مع الخليفة وأرباب الدولة، وآدابه خلال ممارسته لمسؤولياته، كما تمّت الإشارة إلى الصلة بين قاضي القضاة وأدباء وشعراء عصره.