وصف الكتاب:
إن أقدم ما عرف عن النخل كان في بابل التي يمتد عمرها إلى حوالي أربعة آلاف سنة قبل المسيح. فقد خلفت آثاراً لهذا الشجر في مواضع مختلفة منها، ولا يستبعد أن يكون النخل معروفاً ومألوفاً قبل ذلك التاريخ. فمدينة (أريدو) الواقعة على مسافة 12 ميلاً جنوب (أور) والتي تعتبر من مدن ما قبل الطوفان كانت قائمة في أوائل الألف الرابع قبل الميلاد، وقد ثبت كونها منطقة رئيسة لزراعة النخل إذ كان حينذاك على مشارف منطقة الأهواز وكانت النخلة مقدسة عند السومريين والبابليين والآشوريين لأهميتها المعاشية والاقتصادية. ومما يثبت توغل وجود النخل في القدم بجنوب العراق، أن العلامة المسمارية التي كان يكتب فيها النخل بدأت في كتابات عصر فجر السلالات (3000-2400 ق.م)، ثم انتشرت في العهود الأخرى. وفي إحدى الوثائق من عهد الملك "شوسن" من سلالة (أور) الثالثة (1978-1970 ق.م) إشارة إلى بستان نخل مزدهرة تقع في المنطقة الممتدة بين بلدتي "أوما" و"لكاش" وتعود إلى معبد إله (أوما). وقد قسمت البستان إلى ثمانية أقسام حسب عمر النخل ودرجة أثماره، وكانت إنتاج البستان للثمر تقدر كميته بالكيلة لا بالوزن. إلى جانب ذلك، فإنه ومما لا شك فيه أن نخيل التمر كانت مغروسة بمصر في عصور ما قبل التاريخ وهي في ذلك شبيهة بوادي الرافدين، فالاسم الهيروغليفي للتمر هو (بتراو بندت) ومعناه (الحلاوة) وهذه التسمية قديمة تنفرد بها اللغة الهيروغليفية مما يدل على قدم توطن النخل في مصر. ومهما يكن من أمر فقد كتب كثيرون عن النخلة وفيها، وبين أيدينا عدد غير قليل مما كتب قديماً وحديثاً ولكن نصيب اللغة العربية مما كتب كان عاملاً ضحلاً لم يتوغل فيه المؤلفون إلى النواحي العلمية الدقيقة، ولهذا بقيت المكتبة العربية خلواً من مؤلف يضم بين دفتيه المعلومات العلمية التي توصل إليها الباحثون في مختلف الربوع والأقطار. ولما كانت نخلة التمر الشجرة الأولى التي رافقت العرب في بلادهم وفي الأمصار التي فتحوها وقاموا فيها نجدها محرومة من العناية الواجبة والدراسة الصحيحة. وهذا وأن التقدم الحاصل في مختلف ميادين المعرفة بزراعة النخلة ورعايتها منذ غرسها حتى جنى حاصلها وفي طرق تعبئة التمر الصحيحة الحديثة ما جاءت إلا عن طريق البحوث والتجارب التي قام بها العلماء الغربيون في الولايات المتحدة الأميركية وفي شمال أفريقيا خلال الخمسين سنة الماضية ولا زالت دراستهم لموضوع النخل مستمرة دون انقطاع. ومع أن البلاد العربية هي موطن النخل وكان عليها الحصول في غذائهم وفي تأمين كثير من حاجاتهم إلا أنهم لا يعيرونها الاهتمام اللائق بها، بل عزفوا عن رعايتها وتعهدها وبقيت طرق العناية بالنخلة على ما كات عليه بدائية متأخرة لم تواكب ركب النهضة الحديثة. من هنا يمكن القول بأن الضرورة أصبحت ملحة لوضع كتاب شامل حديث يجمع شتات المعلومات والنتائج التي ظهرت في مختلف الأقطار التي تعنى بزراعة النخل عناية علمية عملية، ولما كان مؤلف هذا الكتاب من بلد التمر، البصرة، فقد كرّس النصيب الأكبر من دراسته واهتمامه لهذه الشجرة سواء ما كان منها في جامعة كاليفورنيا عندما كان طالباً فيها، أو أثناء تحمله مسؤولية الوظيفة كمدير لمحطة تجارب البستنة في مزرعة الزعفرانية، القريبة من بغداد. بالإضافة إلى دراسته واطلاعاته على زراعة بساتين النخل في أنحاء شتى من الدول الغربية والعربية. ومن موقعه هذا، ونتيجة لخبراته ودراساته عمد إلى وضع هذا الكتاب أمام القارئ مختصراً للدراسات والبحوث التي أجريت على النخيل والتمور في مختلف الأقطار، كما حاول في كتابه هذا إيجاز مختلف العمليات الزراعية التي يمارسها زراع النخل بمختلف البلاد التي تزرع هذه الشجرة. وقد حاول وكما سيرى القارئ وضع المصطلحات العربية الصحيحة لمختلف أجزاء النخلة وثمرها وللعمليات الزراعية المتعلقة بها والهدف أن يجد الزارع والباحث والمدرس والطالب في هذا الكتاب ما ييسر عليه عناء البحث والاستقصاء في مختلف النشرات والمقالات والكتب، إذ إن المؤلف قد استعان بالكثير من المراجع للإلمام بالموضوع من مختلف نواحيه.