وصف الكتاب:
يدخل هذا الكتاب ضمن جملة البحوث والدراسات التاريخية والدينية والآثارية التي قدّمتها الدار خلال الثلاثين سنة الماضية ومازالت مستمرة في تقديم الجديد للقارئ العربي. ينتهج هذا الكتاب المنهج العلمي الآثاري المقارن مع الكتب الدينية اليهودية. ويبدي المؤلف ملاحظات كثيرة في الكتاب عن المعتقدات القديمة الراسخة في نفوس المؤمنين بها ويقترح مسلكاً جديداً للتفكير والبحث العلمي. لقد مرّ على صدور الطبعة الإنكليزية لهذا الكتاب ما يقارب مائة عام، فقد صدرت الطبعة الإنكليزية الأولى عام 1918م وصدرت الطبعة الثانية من الكتاب عام 1929م والتي اعتمد المعرّب المرحوم الدكتور محمد الهاشمي على الطبعة الثانية في ترجمته. صدرت طبعتنا العربية الأولى لهذا الكتاب عام 2006 م. وقد اعتزمنا إعادة طبع الكتاب بحلة جديدة والتزاماً بالمنهج الذي اعتمدته الوراق في نشر ترجمات الكتب من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية فقد تم وضع جميع نصوص التوراة والأسفار والمزامير التي اعتمدها المؤلف في بحثه مع وضع بعض الهوامش التوضيحية تحقيقاً للمزيد من الفائدة للقارئ الكريم. ولا بدّ من الإشارة إلى الترجمة الرائعة التي قام بها المعرِّب المرحوم د. محمد الهاشمي وأسلوبه الرائع والسلس في نقل النص. عن المؤلف السير ويليام ويلكوكس Sir William Willcocks بقلم: ماجد شُبَّر ولد المؤلف البريطاني السير ويليام ويلكوكس في الهند 27 أيلول (سبتمبر) 1852م - ومات في القاهرة في 28 آب (أغسطس) 1932م. كان ويلكوكس قد تخرّج من كلية توماسون للهندسة المدنية في روركي عام 1872م، والتحق بقسم الأشغال العامة في الهند في العام نفسه. بعد الغزو البريطاني واحتلال مصر، بدأ العمل مع إدارة الأشغال العامة المصرية العريقة في عام 1883م. وكان يشغل منصب مدير عام الخزانات لمصر عندما أكمل دراساته وخططه في عام 1896م لإنشاء السدّ المنخفض بأسوان، أول خزان تخزين حقيقي على النهر. أشرف على بنائه من عام 1898م حتى اكتماله عام 1902م. كما قام بتصميم وإنشاء سدٍّ آخر على النيل، وهو سدّ أسيوط، الذي تمّ الانتهاء منه أيضاً في عام 1902م. وأصبح فيما بعد رئيساً لشركة أعمال مياه القاهرة، وأيضاً رئيساً لشركة الأنجلو - الشركة المصرية لتخصيص الأراضي والتي كان لها دور فعال في تمدين حي الزمالك (المعروف آنذاك بالجزيرة) في أوائل القرن العشرين. سُمّي أحد شوارع الزمالك باسم «ويلكوكس». ترك منصبه في مصر بحلول عام 1897م وبعد أربع سنوات تمّت دعوته إلى جنوب أفريقيا. مع نهاية الحرب الأنجلو بوير، طُلب منه النظر في إمكانية مشاريع الري في ترانسفال ومستعمرة نهر أورانج. تمّ تنفيذ جزء من خططه ولهذا حصل على لقب: KCMG (Knight Commander (of the Order) of St Michael and St George). أصبح فيما بعد رئيس الري في الحكومة التركية العثمانية، لما كان يُعرف آنذاك بمساحة أكبر من العربية التركية. قام برسم أول خرائط دقيقة للمنطقة، والتي كانت فيما بعد مساعدة كبيرة لقوات الاستكشاف البريطانية في عام 1914م ومرة أخرى في عام 1915م. في عام 1911م اقترح جلب المياه إلى منطقة الكلدان القديمة في جنوب بلاد ما بين النهرين. ونتيجة لذلك، تمّ بناء قناطر(سدة الهندية) على نهر الفرات بالقرب من مدينة بابل القديمة، مما أدى إلى ري 3500000 فدان (14200 كم مربع). وهذا المشروع المهم سدة الهندية لا زال قائماً إلى الآن. عمل في مشاريع الري في رومانيا قبل وقت قصير من اندلاع الحرب العالمية الأولى، ومرة أخرى في أواخر عام 1928م في البنغال، حيث تلقّى بعض تدريبه المبكر. في كانون الثاني (يناير) 1921م، قُدّم للمحاكمة أمام المحكمة القنصلية العليا في مصر بتهمة الت ح ريض على الفتنة والتشهير الجنائي، بسبب تصريحات أدلى بها ط ع ن في مصداقية البيانات المتعلقة بري النيل والتي نشرها مردوخ ماكدونالد، مستشار مصر. وزارة الأشغال العامة. وقد وجد مذنباً في 11 آذار (مارس)، وفي 16 نيسان (أبريل) كان ملزماً بحسن السلوك لمدة عام واحد. مؤلفات الكاتب: 1. الري في بلاد ما بين النهرين (العراق) - 1917م. 2. بشرى يسوع المسيح أو العهد الجديد في مصر- 1931م. 3. ستون عاماً في الشرق - 1935م. 4. الري المصري. جزآن - 2012م. 5. خزان أسوان وبحيرة موريس Moeris - 1904م. 6. سدّ خزان النيل في أسوان وما بعدها - 1901م. مقدمة المؤلف كانت الفصول الخمسة لهذا الكتاب الذي يبحث عن الحوادث التأريخية القديمة التي ورد ذكرها في العهد القديم، في الأصل محاضرات أُلقيت في المعهد المصري، وفي الجمعية الملكية الجغرافية في القاهرة خلال سنتي 1913م و1917م. وفي الفترة الواقعة بين سنتي 1909 و1911م أُلقيت عدة محاضرات أخرى في الجمعية الملكية الجغرافية في لندن حول موضوع {جنة عدن} و{طوفان نوح} كما نشرت عنهما مقالاً في مجلة بلاكوود الصادرة في شهر أكتوبر (تشرين الثاني) سنة 1914م. أما الفصول الثلاثة الأخيرة فهي نص المحاضرات كما أُلقيت حرفياً. وأما الفصلان الأولان فقد أدرجت فيهما المحاضرتان الأوليان مع بعض تعديلات وإضافات جديدة. لقد قضيت أربعة وثلاثين عاماً في دراسة كل ما ورد في العهد القديم مما له صلة بالري وبالأقطار التي يشملها نظام الري. وهذه الدراسة مشفوعة بتحرٍ عملي دقيق لتلك الأقطار. وما هذه المحاضرات إلا ثمرة لذلك الدرس وتلك التحريات. والذي ساعدني على هذا اختصاصي بهندسة الري ومعرفتي الجيدة باللغة العامية التي تختلف اختلافاً بيِّناً عن اللغة العربية الفصحى. لقد تفضّل الأستاذ المحترم سايس فقرأ فصول هذا الكتاب وصحّح الأخطاء التي ارتكبها تلميذ مبتدئ مثلي في علم الآثار القديمة. كما أنه شرَّف الكتاب بوضع مقدمة له. وإني لفخور جداً بأن أدرج فيما يلي نصّ مقدمة البروفيسور أرشبيلد هنري سايس طلب إليّ السير ويليام ويلكوكس الذي كان زميلاً لي حين كنا نعمل معاً في حقل الآثار القديمة، أن أضع لكتابه الجديد مقدمة موجزة، فالذي لاحظته لدى قراءتي هذا الكتاب أن المؤلف عالج الموضوع بطريقة مبتكرة من أساسها. وفي الوقت نفسه فإن له وجهة نظر مهمة جداً؛ وجهة نظر مهندس عملي خبير بشؤون الري، يعرف معرفة جيدة أراضي مصر والعراق. فهو لم يزوّدنا فقط بمواد جديدة لحلّ المشكلات التي تتعلق بالعهد القديم ولكنه أتانا بوسائل مبتكرة لحلها أيضاً. وهذه الوسائل أهم من تلك الحلول. ثم إنه لم يعبأ بالتفاسير التقليدية ولا بنظريات النقد أو فروضها بل هاجمها بجرأة، وبغض النظر عما يؤدي إليه هذا المسلك من مخالفة لما توصل إليها العلماء في هذا الحقل. وقد اعتمد المؤلف على قوة المنطق وسلاح العلم التجريبي. ومع أني لا أتفق وإياه في جميع النتائج التي توصل إليها في بحثه، إلَّا أنّي مع هذا أعترف بأنه لا يوجد بين تلك النتائج ما يمكن إهماله أو ما لا يثير اهتماماً من وجهتي النظر الفكري والجدل المنطقي معاً. ولا بدّ أن نتذكر أن الفصل الأول من هذا الكتاب إنما خطّته براعة رجل لم يكتف بالبراهين المنطقية فحسب، وإنما عزّز آراءه بالأدلة العملية وأثبت وجهات نظره بالمشاريع العظيمة التي أقامها في أرض العراق، فأعاد إليها جنة عدن مرة أخرى، وأحيا 300.000 إيكر من الأراضي الموات المندرسة، فصار من الممكن من الآن فصاعدا لجيوشنا أن تعتمد إلى حدٍ بعيد، على غلات البلاد في تموين نفسها. والمعنى الذي استظهره من كلمة «ايد» العبرية وهو «الفيضان» أو «الإغمار» والتي وردت خطأ في الترجمة الإنكليزية للعهد القديم بمعنى -الضباب- هذا المعنى أيّدته أدلة واضحة من علم «فقه اللغة». فهذه الكلمة إحدى الكلمات البابلية الكثيرة التي استعارها العبريون من السومريين (البابليين القدماء) وكانوا يقصدون بها «الفيضان» أو «الإغمار» وكانت تطلق من وجهة فنية على فيضان النهر. وبهذا يظهر أن المقصود من عبارة «يطلع من الأرض ويسقي كل وجه الأرض» التي وردت في الترجمة الإنكليزية هو «يجري على الأرض ويسقي كل وجه الأرض». أما الفصل الذي يبحث عن الطوفان فإنه يلقي ضوءاً جديداً على التاريخ. ولعل أكثر القراء سيجدون في الفصل الذي يبحث عن الأوبئة التي حدثت في مصر ما يثير اهتمامهم الكثير. وكل من عاش في مصر يجد قناعة تامة فيما ذكره السير ويليام ويلكوكس. فقد أثبت لنا أن هذه الأوبئة لم تكن أحداثاً تاريخية حقيقية فحسب، وإنما هي أمور تقع اليوم أو بالأحرى لا بدّ من وقوعها كلما حصلت اضطرابات خارجية وكان مستوى النيل واطئاً. والذي يلفت النظر بصورة خاصة إيضاحه الحقيقة القائلة إن بعض هذه الأوبئة لم تحدث في أرض «جاسان» التي كان يقطن فيها الإسرائيليون. وهذا الإيضاح لا يستطيع أن يدلي به إلا مهندس اتخذ ري مصر مهنة عملية له. بيد أن مقترحات السير ويليام ويلكوكس ووجهات نظره الحديثة لم تقتصر على المواضيع الهندسية فحسب، فقد كان من حين إلى آخر يبدي ملاحظات عن المعتقدات القديمة الراسخة في النفوس ويقترح مسلكاً جديداً للتفكير والبحث العلمي. فقد ذهب إلى أن «قادش برنيع» لا بدّ أن يكون المعبد الصحراوي الذي يقطع المسافر إليه مسيرة ثلاثة أيام والذي كان موسى النبي قد فكر في بادئ الأمر أن يأخذ بني إسرائيل إليه. في حين أن من الصعب على المرء أن يتصور السر في عدم ذهاب أحد من المؤرخين قبله إلى هذا الرأي. وقد ذهب أيضاً إلى أن الألواح التي كُتب عليها النص الأصلي لشريعة موسى كانت من الطين لا من الصخر، وذلك لأن الصخور الحجرية كانت ثقيلة نوعاً ما بحيث يتعذر نقلها من مكان إلى آخر كما أن من الصعب تكسيرها. وقد أيّد هذا الرأي بالقياس على الألواح التي كُتبت عليها شرائع حمورابي الأصلية فإنها كانت من الطين. هذا إلى أن الطين كان المادة الشائعة التي تُستعمل للكتابة في القسم المتمدن من غربي آسيا في عصر موسى، وقد كُتبت على هذه الألواح الوصايا العشر أيضاً وذلك بالخط البابلي وباللغة البابلية. أما الفصل المتعلق بطريق خروج بني إسرائيل من مصر فإنه يعيد، بدون شك، إلى الذاكرة الخلاف القديم حول هذا الموضوع، وهناك مجال واسع للكلام حول نظرية بروكش التي أحياها السير ويليام ويلكوكس وأيّدها بأدلة جديدة منه. أما أنا فأميل إلى الرأي الذي حاولت إثباته في كتابي {تاريخ العبريين القديم} وهو أننا إذا رجعنا إلى النص الموجود بين أيدينا في العهد القديم نرى أن هناك غموضاً في هذا الموضوع. وهذا الغموض ناشئ من وجود رأيين متضاربين من حيث تعيين المكان الذي عبر منه بنو إسرائيل {البحر الأحمر} ومن حيث المقصود من الكلمتين «البحر» و «يام سوف» أو {البحر الأحمر}. فهل إن هاتين الكلمتين مترادفتان أو إنهما تشيران إلى مدلولين مختلفين وعلى كل حال فلا بدّ أن يكون المقصود بـ {البحر القصبي} بحيرة صغيرة أو مستنقعاً نهرياً.