وصف الكتاب:
شهدت مصر العديد من المعارك الفكرية الكُبرى، اتشحت بوشاح ثقافي حينًا، وبمظاهر أكاديمية حينًا آخر، اشتبك فيها الطرفان: قُوى تشعر بالتهديد في هويتها العربية/ الإسلامية وتتشكك في الجهود الماسَّة بأصولها، وأخرى ترى ضرورة إخضاع التراث الذي تستقي منه الهوية الوطنية مشروعيتها لمناهج النقد الغربية... وكانت البراءة وسوء النية معًا حاضرتين في صدارة هذا الاشتباك الثقافي على الهوية. وهناك العديد من التجارب شهدتها الخبرة الثقافية المصرية الحديثة، تضع الكثير من علامات الاستفهام حول قدرة المال الأجنبي على "استغفال" المثقف واستدراجه، ولعلنا نتذكر كيف قبل د. طه حسين رئاسة تحرير مجلة "الكاتب المصري" التي تأسست عام 1946 بتمويل يهودي، بل إن هذه الظاهرة انخرط فيها بعض مجموعات النفوذ بالمؤسسات التربوية المصرية، ففي عام 1954 أصدرت مؤسسة "فرانكلين" الأمريكية سلسلة عنوانها "كيف نفهم الأطفال"، وكانت موجهة إلى الآباء والمدرسين حسب ما هو مبيَّن على غلاف كل عدد، تضمنت توصيات وتعاليم وطرائق لكيفية تقبل الأطفال ممارسة الشذوذ والإباحية والحرية الجنسية، على أنها أمور طبيعية، وطريقة عرض هذه الطرائق أُعدَّت بشكل فائق الذكاء والحرفية. ونال العدد الأول الذي تضمَّن هذه "السموم الأمريكية حظًا كبيرًا من الرواج، حتى أنه أُعيد طبعه مرةً أخرى في أكتوبر عام 1955، وقدَّم لها المستشار الفني لوزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت، الدكتور عبد العزيز القوصي. ما يريد المؤلف قوله في هذا الكتاب؛ أن ما يُثار من قضايا فكرية أو ثقافية من حينٍ إلى آخر؛ هي في واقع الحال سليلة أهداف وغايات سياسية، ومن ثم فإن التعاطي مع تلك القضايا، يقتضي استحضار المشهد السياسي من جهة، واللحظة التاريخية الحاضنة له من جهة أخرى. إذ سيكتشف القارئ أن الأمر كله في الأصل هو معركة سياسية، بين أطراف لها أحلام ومشاريع، قد يكون بعضها حسن النية، بيد أن أكثرها يضمر في نفسه نيات غير حسنة، تجاه الأطراف الأخرى التي تخالفه الرأي أو العقيدة. وأن التعاطي مع بعض المفاهيم، مثل : الحضارة والنهضة والتنوير وحقوق الإنسان حقوق المرأة أو حريتها، قد تبدو للبعض محض اشتباك فكري برئ من أية غايات سياسية، وقد يراها البعض الآخر ترفًا لا طائل من ورائه، وأن المثقفين ينبغي لهم أن ينشغلوا بالبحث عن أزمات المجتمع الحقيقية، مثل الإدمان والبطالة والعنف وأزمة الإسكان والأُمية وما شابه... وواقع الحال أن الأزمات الأخيرة وغيرها من أزمات هي نتاج مشروع سياسي قائم، يستند إلى فلسفة فكرية وثقافية، تستقي قوامها من المنظور الغربي لعدد من المفاهيم، ومن ثم فإن مناقشة هذه المفاهيم، هي في واقع الحال قراءة لصلب العقيدة السياسية التي تتبنى هذه المفاهيم، والتي أفرزت في النهاية الأزمات التي تواجهها الأُمة حاليًا.