وصف الكتاب:
إن علم الطب النفسي وبصورة خاصة الطب النفسي للطفل يعيش فترة من التغير الجذري. بعد عقود من التركيز بشكل حصري على المظاهر السيكولوجية والسلوكية للنمو، تقوم الأبحاث في هذا المجال حاليًا باستخدام إنجازات علوم الوراثة، والتصوير العصبى، والعلم المعرفي ومجموعة أخرى من الفروع المعرفية الأكثر بعدا. وهناك عدد متزايد من الاضطرابات السلوكية يتم مخاطبتها كاضطرابات عصبية نمائية، مع إمكانية فهم الأعراض بأفضل صورة في سياق مسار نمو الدماغ. وهذا المدخل يصبح ميسورا الآن فقط بحصولنا على الأدوات التي تمكن من دراسة نمو الدماغ البشري. والنتائج الحديثة لهذه الدراسات مدهشة. أنماط التعبير الجيني في الدماغ النامي تختلف بشكل عميق عن بروفيلات التعبير الخاصة بالمخ الراشد، ما يقرب من 80 % من الجينات تعمل بشكل مختلف أثناء نمو دماغ الجنين(http://www.brainspan.org). وفي الواقع، بروفيل التعبير الجيني في دماغ الجنين البشري مختلف جدا عن دماغ الطفل بعد الولادة لدرجة أن الشخص ربما يعتقد أن دماغ الجنين هو عضو مختلف كلية. ولكن حتى قواعد نمو الدماغ ما بعد الولادة عجيبة جدا. في تناقض مع أجهزة الجسم الأخرى، الدماغ يتطور، جزئيا، عن طريق الإنتاج المفرط الغزير للخلايا والوصلات، والذي يليه عملية نحت للمسارات والتي تستغرق عدة سنوات وتحدث من خلال الإزالة المكثفة لقدر كبير من الأبنية العصبية بجانب التغطية الانتقائية بالميلانين(myelination) لمجموعات معينة من الألياف العصبية من أجل النقل السريع للمعلومات. ونحن نعرف الآن أن الدماغ البشري يستمر في النمو حتى العقد الثالث، مع كون النضج المخي لا يتم الوصول إليه حتى سن الخامسة والعشرين. ما الذي يعني ذلك بالنسبة للباحثين والاكلينيكيين؟ إن هذه الفترة الطويلة من نمو المدماغ توفر إطارًا شديد الأهمية من أجل فهم ظهور الأعراض السلوكية والمعرفية. لماذا تظهر أعراض التوحد عند 18 شهر بينما تظهر أعراض ذهان الفصام عند سن 18 سنة؟ لماذا يكون الأولاد أكثر احتمالا للتأثر ببعض الاضطرابات العصبية النمائية مثل التوحد، واضطراب فرط النشاط، ونقص الانتباه؟ لماذا غالبًا ما يملك الراشدون الذين يعانون اضطرابات المزاج تاريخا من اضطرابات القلق في مرحلة الطفولة؟ ويستطيع العلم العصبي النمائي أن يبدأ في مخاطبة هذه القضايا عن طريق تحديد التغيرات الخاصة بمرحلة عمرية في نمو الدماغ، وبصورة خاصة التغيرات في الدارات العصبية كأساس لظهور الأعراض والقابلية للإصابة باضطرابات معينة