وصف الكتاب:
إنّ إحياء التراث الإسلاميّ والتعريفَ به من فروض الكفايات التي ينبغي أن ينشغل بها المحقّقون والدّارسون، فيحققون بذلك غايتين، الأولى ردّ الدّين للأسلاف الذين تعبوا واجتهدوا في صناعة هذا المجد العلمي الزّاخر، والثانية تحقيق الصّلة بين علماء الأمّة الأقدمين وطلاّب المعرفة المعاصرين، الذين يبقون بحاجة إلى معرفة ما خلَّفه أجدادهم، فيقرأونه قراءةً واعيةً متبصّرةً، ناقدةً مغربلةً، فالأمّة المنقطعة عن تاريخها كنبتة في فلاة، معرّضة للزّوال طال الزمن أم قصر. وضمن هذا المسعى جاء هذا العمل، بتحقيق واحد من أهم الأسفار العلمية الجزائرية، وهو شرح محمد بن معزوز المستغانمي لمنظومة (السّلم المرونق في علم المنطق)، لفارس الكتابة النّظمية في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، العلاّمة عبد الرحمن الأخضريّ، الذي ظلّ مخطوطاً منذ أن حَبَّرَهُ كاتبُه أواسطَ القرن الثاني عشر الهجريّ، ولـمّا اطّلعت عليه استغربت من بقائه مخطوطاً طوال هذه المدّة، وزاد من استغرابي عدم الحديث عنه وعن مُؤَلِّفِهِ في المدوّنات التي أرّخت للثقافة الجزائرية. إنّ شرح ابن معزوز للسلّم المرونق هو الشرح الثالث لهذا المتن الجليل، بعد شرح النّاظم، وشرح سعيدة قدورة، وقد تلته شروحٌ وحواشٍ وتقريراتٌ كثيرة إلى يوم النّاس هذا، وما يزال يحظى باهتمام كبير من المتخصصين في الدّراسات الشرعية والمنطقية واللغوية، ممّا يؤكّد مركزية متن (السلّم المرونق) في مجال الدّرس المنطقيّ العربي، وتحقيقنا لهذا الشرح يضع الكتاب في سياقه العلمي، وضمن خارطة الدّراسة المنطقية العربية، التي تتخذ من المعرفة بالمنطق سبيلاً لفهم القرآن الكريم، والدّفاع عن عقائده وتعاليمه، انطلاقاً من جهازٍ مفاهيمي متماسك، يستمدّ من العقل آلياته و أدواته الحجاجية. وعلى الرّغم من الاعتراضات القويّة على تعلّم المنطق وتعليميه إلاّ أنّ الدّرس المنطقيّ حَظِيَ في الثّقافة العربية بمكانة مرموقة، فقد شكّل جزءاً مهمًّا من الفلسفة، ومن علم العقائد (علم الكلام)، ومن البلاغة، ومن علم النّحو، ومن علم أصول الفقه، وغيرها من العلوم، التي سمحت بتطوير هذه المعرفة، وصياغة مفاهيم منطقية مستوحاة من عمق الثقافة العربية الإسلامية، ومن الإرث اليوناني القديم. لقد ساعد تطوّرُ الدّرس المنطقيّ العربيّ على بروز أسماء مهمّة في هذا المجال، قدّمت جهوداً جبّارة، تأليفاً وتدريساً، نظماً ونثراً، شرحاً وتعليقاً وتقريراً، فلا يمكن لأيّ دارس لعلم المنطق أن يتجاهل جهود ابن سينا (427هـ)، أو الأبهريّ (663هـ)، أو الكاتبي (675هـ)، أو السنوسي (895هـ)، أو الأخضريّ (983هـ) وغيرهم من أساطين الفلسفة الإسلامية. هذا وإنّني أرجو أن أكون قد أنصفت كاتب هذا الشرح، الذي ظلّ منسيًّا لقرابة ثلاثة قرون من الزمان، وأسديت خدمةً للثقافة العربية، داعياً الله –عزّ وجل- أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، والله من وراء القصد وهو يهدي السّبيل. معسكر (الجزائر) 15 ديسمبر 2018