وصف الكتاب:
شهد المغرب الأوسط تطورا حضاريا ملحوظا، ابتداء من القرن الخامس الهجري، الحادي عشر ميلادي، إذ تميز العهد الصنهاجي ومن بعده العهد الموحدي بالتوسع العمراني، حيث مصرت المدن، وشيدت المنشآت العمرانية على اختلاف أنواعها، من قصور ودور، وقلاع وحصون ورباطات، وأسواق وحمامات، ولم تخل العمارة الدينية من هذا الإهتمام، حيث شيدت المساجد والجوامع الكبيرة، وتفنن السلاطين والخلفاء في زخرفتها وتزويق منائرها وجدرانها ومحاريبها، وفرشها بأبهى وأفخر الأفرشة، تم جاءت الدولة الزيانية التي أضافت عمارة دينية جديدة في المغرب الأوسط، تمثلت في المدارس التي بدأت في تلمسان، ثم انتشرت لتعم جميع ربوع المغرب الأوسط. هذا بالإضافة إلى الكتاتيب والمساجد الصغيرة، التي كانت محل اهتمام من سكان الأحياء والقبائل، الذين لم يكونوا يتوانون في إنشائها، نظرا لما اكتسته من ضرورة دينية وتعليمية في حياتهم. وما من شك أن المتتبع لتاريخ الدولة الإسلامية عموما، والغرب الإسلامي خصوصا، يجد أن دور العمارة الدينية الإسلامية لم يقتصر على ممارسة الشعائر الدينية، بل تعدى ذلك ليلعب أدوارا أخرى مست جميع جوانب الحياة السياسية منها، والإقتصادية، والإجتماعية، والثقافية، بل حتى العسكرية، غير أن الدور السياسي والعسكري تقلص وتراجع أمام قصر الحاكم أو دار الإمارة، وصارت شخصية الحاكم تطغى في هاذين الجانبين، بينما بقي للمسجد أدوار الثلاثة المتقدمة، والتي كتب لها الإستمرار إلى يومنا هذا. أهمية الموضوع: ولا شك أن الوقوف على هذه الأدوار يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للباحث في تاريخ العمارة الدينية الإسلامية، خاصة إذا عرفنا أن المنشآت الدينية كانت هي العرق النابض في المجتمع، فيها تمارس الشعائر الدينية، وهي في حد ذاتها مراكز تعليمية، كما أنها كانت محلا للتلاقي والعلاقات الإجتماعية، زيادة على ما كانت تلعبه من أدوار اقتصادية من خلال الجرايات والأقاف الكبيرة المرصدة لها. أسباب إختيار الموضوع: إن سبب اختياري لهذا الموضوع يرجع إلى أني تأملت هذه المنشآت اليوم، وقارنتها على ما كانت عليه في الماضي، فوجدت بونا شاسعا بين أدوارها في الأمس، وأدوارها اليوم، حيث تقلصت هذه المهام، وانكمشت انكماشا كبيرا، فلم يعد الكتاب يلعب ذلك الدور العميق الذي كان يؤديه سالفا، ولم يعد المسجد ذلك المركز الروحي للمدينة الإسلامية يؤدي مهامه على غرار ما كان يؤديه فيما سبق، بل نحن نرى أن المسجد أضحى غير قادر على جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، وفي كثير من الأحيان تتحول المساجد إلى مراكز طائفية ومذهبية، تحدث فيها التفرقة والتشرذم باسم الدين والتشيع للآراء. حتى أضحت طائفة عريضة من الناس تظن أن وظيفة المسجد تقتصر على أداء الشعائر الدينية فحسب. من أجل ذلك أحببت أن أخوض غمار هذا الموضوع، فأقف على شذرات قليلة من أدوار المنشآت الدينية الإسلامية في العصر الوسيط، لعلي أميط اللثام عن بعض جوانب هذا الموضوع الواسع، ولسعة هذا الموضوع وتعدد جوانبه، اقتصرت فيه على ثلاث منشآت دينية كنموذج لهذه الدراسة، تمثلت في الكتاتيب، والمساجد، والمدارس. إشكالية الموضوع: تتمحور إشكالية هذا الموضوع على سعته واتساع نطاقه في مدى تأثير العمارة الدينية على حياة الناس على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم وتندرج تحت هذه الإشكالية جملة من التساؤلات الفرعية وهي: في ماذا تمثلت العمارة الدينية في المغرب الأوسط؟ وكيف كان تاريخ نشأة كل منها وتطورها؟ ومن كان السابق منها من المتأخر؟ وماهي الأدوار والوظائف التي لعبتها هذه المنشآت في حياة الناس؟ وهل تماثلت الأدوار التي لعبتها هذه العمارة، أم أن بعضها كان أبرز تأثيرا؟ وهل اكتست هذه العمائر طابعا واحدا؟ أم اختلفت فيما بينها؟ كل هذه التساؤلات حاولنا الإجابة عليها في موضوعنا هذا الموسم بــ «أدوار العمارة الدينية الإسلامية في المغرب الأوسط من القرن الخامس إلى التاسع الهجري، الموافق للحادي عشر إلى الخامس عشر ميلادي، الكتاتيب، المساجد، المدارس أـنموذجا » . خطة البحث: و للإجابة على هذه التساؤلات قمت بتقسيم بحثي هذا إلى مقدمة ومدخل وثلاثة فصول وخاتمة، تناولت في المقدمة التعريف بالموضوع، وأهميته، وسبب اختياري له، وإشكاليته، والخطة المتبعة في دراسته، ثم نقد المصادر والمراجع التي اعتمدتها، والمنهج المتبع، وأهم الصعوبات التي لاقيتها. أما المدخل، فقد قدمت فيه لمحة تاريخية عن تطور العمارة الدينية في المغرب الأوسط، ابتداء من القرن الخامس الهجري الحادي عشر ميلادي، وانتهاء بالقرن التاسع هجري، الخامس عشر ميلادي، وعن الدور الذي لعبته الحكومات السنية المتعاقبة في الإهتمام بالعمارة الدينية ورعايتها، كما تكلمت فيه عن الترتيب الزمني لهذه العمائر من أقدمها نشأة إلى متأخرها في ذلك. أما الفصل الأول فقد تناولنا فيه أدوار الكتاب الإقتصادية، والإجتماعية، والفكرية التعليمية، فقدمنا بتمهيد تعرضنا فيه إلى أصل الكتاب ونشأته، وصفة عمارته، ثم المبحث الأول الذي عالجنا فيه الدور الاقتصادي الذي لعبه الكتاب، من خلال أجرة المعلمين ومقدارها، وتنوعها ما بين عينة ونقدية، و الإكراميات والهدايا التي يتلقاها المعلمون في المناسبات الدينية، وعند ختم الصبي، كما تعرضنا فيه إلى قضية كراء محل الكتاب، وعلى من تكون أجرة الكراء. أما المبحث الثاني، فقد تعرضنا فيه إلى دور الكتاب الإجتماعي، عالجنا فيه علاقة المعلم بالصبيان، وعلاقته بأولياء التلاميذ، والوضع المعيشي الذي كان عليه المعلمون. ثم المبحث الثالث الذي تعرضنا فيه إلى دور الكتاب الفكري والتعليمي، ذكرنا فيه مستلزمات الكتاب وأدواته، وسن الإلتحاق بالكتاب، وطريقة التعليم فيه، والأسبوع الدراسي وأوقات التعليم، وقضية تعليم الإناث في الكتاب، كما ذكرنا نماذج من المعلمين في الكتاب في المغرب الأوسط. أما الفصل الثاني، فقد تعرضنا فيه إلى وظائف المسجد، على غرار أدوار الكتاب، فبعد التقديم بتمهيد عن تعريف المسجد وتطوره التاريخي، تعرضنا في المبحث الأول إلى وظيفة المسجد الاقتصادية، و التي تمثلت في الأوقاف الكثيرة التي رصدت له ولمنافعه، وكذلك أجور الأئمة والمؤذنين وجميع القائمين عليه. ثم المبحث الثاني، الذي عالجنا فيه وظيفة المسجد الإجتماعية، والتي تضمنت الحديث عن تهذيب المسجد لأفراد المجتمع، وعن وظيفته في تقوية الروابط الإجتماعية، وعن كونه مأوى للعلماء والغرباء والمنقطعين من المسافرين وغيرهم، كما عالجنا فيه قضية موظفي المسجد والقائمين عليه، أما البحث الثالث والذي تضمن الحديث عن وظيفة المسجد الفكرية والعلمية، فقد عالجنا فيه المساجد في المغرب الأوسط، وذكرنا نماذج منها، كما ذكرنا نماذج من المدرسين فيها، والعلوم المدرسة بمساجد المغرب الأوسط. أما الفصل الثالث، فقد تطرقنا فيه لمهام المدرسة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، فكذلك قدمنا فيه بتمهيد عن نشأة المدارس في بلاد المغرب، ثم في المبحث الأول عالجنا المهام الإقتصادية والمتمثلة في الأوقاف والحبوس التي رصدت للمدارس، وكذلك مختلف النفقات على المدارس والقائمين عليها. ثم البحث الثاني الذي تعرضنا فيه إلى المهام الإجتماعية للمدرسة، والمتمثلة في الإيواء، مع ما يصحبه من إطعام وكسوة وفراش، سواء للطلبة، أو للقائمين عليها، أو حتى للغرباء من المسافرين والزائرين، وقمنا بإعطاء نبذة عن مرافق المدرسة، كما تعرضنا للمستوى المعيشي للمدرسين وغيرهم من الموظفين في المدرسة، و كذا المستوى المعيشي لطلبة المدرسة. أما البحث الثالث فقد تطرفنا فيه إلى المهام التعليمية للمدرسة والتي عالجنا من خلالها نماذج من مدارس المغرب الأوسط، والبرنامج الزمني للدراسة، والمواد المدرسة، كما أعطينا لمحة عن أهم الكتب التي كانت متداولة في مدارس المغرب الأوسط. ثم تأتي الخاتمة التي حوصلت فيها النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث، وأتبعتها بملاحق لها علاقة بموضوع البحث، ثم الفهارس، وقائمة للمصادر والمراجع