وصف الكتاب:
مازالت اللغة المنطوقة، على ما يبدو، ضرورة في قراءة اللغة البصرية. على المستوى اللغوي، يستخدم البشر، بشكل عام، المفردات المجموعة في قواميس محددة، لأغراض الاتصال والتواصل. وهذا هو مستوىً أولَ من مستويات البداهة في استخدام اللغة. ونقع فيه على شيء مباشر ومنفعيّ في استخدام الألفاظ والأفعال والصيغ النحوية المتفق عليها بين جماعة لغوية محددة. ثمة مستوى آخر من مستويات استخدام الكلام هو المستوى غير المباشر والجمالي الذي يقول المعاني ذاتها بشكل غير مباشر: مداورةً. ويكون وقعه في أغلب الأحوال أعمق في الذات من وقع الخطاب المباشر. نحن هنا في نطاق الاستخدام الجمالي، أو المجازي للقاموس المشار إليه عينه: (فلان أسدٌ)، إشارة مجازية قد تؤشر لفكرة الشجاعة. عندما يتعلق الأمر بالبلاغة البصرية، لا يتعلق الأمر، بحال من الأحوال، بعملٍ تلفيقيّ، ولا باستجلاب قسريّ لمصطلحات حقلٍ إلى حقل مختلف، ولا بتقويل البصريّ ما تقوله البلاغات اللفظية، قدر ما يتعلق الأمر بامتلاك البصريّ، بطبعه أصلاً، بلاغة تأويلية ومجازات تتماسّ مع المجازات اللفظية المعهودة. في حين ظلت البلاغة العربية حبيسة المصنفات التاريخية والمدرسية المكرّرة الثقيلة، ولم يجرِ استثمارها في حقول أخرى غير حقول الخطاب اللغويّ، رغم ثرائها، فأن مجازات الأسلوب الفرنسية استخدمت على الدوام في الميديا الحديثة مثل السينما والرسوم المتحرّكة والفوتوغرافيا. وقد اشتغل المثقفون الأوربيون على هذه المجازات ذات الصلة المبدئية بالخطاب اللفظيّ وفعَّلوها بحيوية وأنْطقوها في حقل اللغة الأيقونية، بل أن طريقة اشتغال الإشهارات مثلاً لا يمكن فهمها بدقة من دون فهم صيغ المجاز في اللغة المنطوقة. على أن المجازات اللفظية يمكن أن تُغني النصَّ ويمكن أن تسيء إليه. عندما نعاود قول الاستعارة المعروفة المكرّرة، فهي تغدو عبئاً على النص وتجعله ممجوجاً، وعندما يجري اختراع صيغٍ جديدة من الاستعارة فهي تصير إثراءً للنص إذا لم تكن مُوَلـِّداً للدلالات الجديدة.