وصف الكتاب:
كتاب جديد للكاتب الدكتور حاتم علامي ، وهو بحث في إشكاليات الوعي في المرحلة الحاسمة التي تمر فيها البشرية ؛ فالوعي المعرفي نادراً ما كان عرضة لاختبار سهام التجربة بهذه القسوة والعمق، حيث يتربع شعار ” إعرف تنجُ ” على منصة المواجهة مع عدو لا بطولة في مواجهته ولا معنى للشهادة في بعدها الاجتماعي الأخلاقي التي نشأنا عليها، لا بل قل أن الهروب من المواجهة هو طريق الإنتصار. يطرح الكاتب أسئلة في صميم البحث عن الحقيقة: لماذا نحن في شتات معرفي؛ أين نحن مع مانحن عليه من معرفة؛ ما الذي نعرفه حقاً؛ نريد أن نستعيد ما نعتقد أننا نعرفه؛ أين هي معتقداتنا من مطلب المعرفة؟ هذه الأسئلة التي يقدم بها د. علامي هي انعكاس للغلاف الذي دبج به غلاف الكتاب مع أقوال لمشاهيرالرحلة الفلسفية في دروب المعرفة منذ أرسطو الى ديكارت ونيتشه والفيلسوف المعاصر إدغار موران، حيث تفتح فلسفتهم على أسئلة الشك واليقين ومعرفة المعرفة. وقد انصب جهد المؤلف على استثارة اهتمام القارئ من خلال التعامل المعرفي من منظار المرحلة التي عصفت بكل المسلمات واليقينيات لتزيح الطريق الى الإشكالية التي يتمحور حولها العمل في لعنة المعرفة والمعرفة المحرمة، وهذه الإشكالية تمهيد للنقاش في أبواب الكتاب التي توزعت بين عرض لتطور المواجهة مع الوباء ومضاعفاته على الوعي والتكوين المعرفي والسلوكيات التي تعكس الوعي المعرفي، والتحدي هنا ينبع من المفهوم الذي أسس به المؤلف لعلاقة المعرفة بالعارف والمعروف ومبدأ المحاكاة الصحيحة، وفي السبيل رصد لإشكاليات التواصل في مستوياتها ودرجاتها المختلفة ما بين المرسل والمتلقي والعقل التواصلي. يحقق الكتاب تأصيليته مع عمق التحولات التي يشهدها العالم، لذلك فقد اهتم البحث بعناوين التغيرات التي تكتب تاريخاً جديداً، مع كل التغيرات في النظرة الى النظام المعرفي والمتغيرات السيكولوجية ما بين عصاب الموت ورهاب الإغتراب عن الواقع وسؤال مركزية الإنسان التي تتواءم مع البحث في معيارية كونية جديدة، حيث يقدم الكاتب بسؤال: العالم الى أين؟ لاستنباط سمات التحول على الصعد السياسية والإقتصادية والثقافية في عصر جديد للتكنولوجيا والثورة الرقمية ووسائط التواصل الإجتماعي وتحدياتها على الفردية والجمعية بعد الحجر والتباعد وتقاليد جديدة في علاقة الإنسان بالموت والحياة ورمزية الشعارات الدينية في التقاط المشاعر الإنسانية لعبرة التعازي والأفراح والتواصل. حيث يتجاوز البحث المستوى الوصفي الى العمق الأنثروبولوجي من خلال دراسة العلاقات وصولاً الى الأنثروبولوجيا الرقمية مع تحول العالم يوماً بعد يوم الى عالم افتراضي الذي يتمحور حول مجموعة من المفاتيح المعرفية. يخصص الكاتب الفصل الثاني لما يسميه شيفرة لعنة المعرفة من خلال الأبواب المخصصة للأخلاق وما يسميه المؤلف الأخلاق المعرفية باعتبارها بصمة الشخصية العارفة، الى العمق المعرفي الثقافي باعتباره الترانسفير المعرفي لنقل المدرك الى مفهوم. يخصص الكاتب مساحة وافية برؤية جديدة لعلاقة المعرفة بالأخلاقي الديني، وهو يتناول في المجال الأول الدهشة والريبة المعرفية التي ووجه بها تسونامي الكورونا، وقد جاءت ردة الفعل تتمة لحقيقة متأصلة عبر تاريخ الفرق الناجية حيث كان مفهوم احتكار النجاة صفة الوهم الذي رافق ردة الفعل. يخصص الكتاب دينامية جديدة في بحث موضوع الدين من خلال: الدين في السياق المعرفي؛ الدين بين الأدبيات وأسئلة الواقع؛ الدين واستحقاقات ما بعد كورونا؛ والتأسيس لعلاقة جديدة بين الأديان. والمقاربة تؤسس للتمييز بين النص الديني والممارسة ارتباطاً بالتغيرات الثقافية ورمزية المعنى والإيديولوجيا الدينية، ويفتح النقاش على مسائل العلاقة بين الإنسان والإيمان والمؤسسة الدينية؛ ثنائية السياسي والديني كحقيقة اجتماعية معرفية؛ وصورة النزاعات البشرية في منظار الأديان. النظام المعرفي ومفاهيم المعرفة والوعي وعقلنة الوعي ولعنة المعرفة والمعرفة المحرّمة تخوض رحلتها في البحث عن الحقيقة في كنف البحث في معرفة المعرفة؛ والمسألة تحظى، الى التقاط حلقات تتناولها الدراسة بصورة نادرة في المكتبة العربية، بعرض مسهب لتطور الأبحاث المعرفية في الفلسفة وفي النظريات التي تختص بالسياقات المعقلنة للوعي المعرفي من خلال التمييز بين المعرفة والمفاهيم التي يمكن أن تختلط مع مفهوم المعرفة كالإعتقاد والتصور والإدراك من خلال التمييز بين أنواع المعرفة العقلية والمعرفة الإعتقادية. يتناول المؤلف بالعرض والتحليل اهتمام الفلسفة بالمعرفة منذ أفلاطون وأرسطو وديكارت وتجريبية ديفيد هيوم وجون لوك وباركلي واسبينوزا وليبينيز وكيكيجارد وكارل ماركس . ويشكل مفهوم التفكير النقدي نتاجاً لعرض علاقة العلم والمعرفة والتمييز بين المعرفة التأملية، والمعرفة الحسية، والمعرفة العلمية؛ حيث الفكر في حركته وديناميته ونفاذه الى الصواب واحتمالية الخطأ مرآة لقوة الرأي وسداده، حيث أهمية التمييز بين الخطأ والصواب في ضوء المعلومات التي لا تحصى ولا تعد التي تمدنا بها أحاسيسنا من الخارج. يتعامل د. علامي مع المعرفة بين النعمة واللعنة انطلاقاً من مقولة إغريقية بأن المعرفة هي شمس تشرق أو نار تحرق، ويعرض لحقل ومستويات لعنة المعرفة التي تزداد حساسية مع الفروقات المعرفية المتزايدة في ظل الأمية التكنولوجية والتخصصية التي تميز العصر، ويتوزع حقل الإهتمام بمفهوم لعنة المعرفة في مجالات الأكاديميا، والإقتصاد، والأعمال، والسياسة، والصحة، فالمعرفة، على حد تعبير إدغار موران شبه جزيرة، ولمعرفتها يجب أن نربطها بالقارة التي توجد فيها. أما المعرفة المحرّمة فهي تتمة لتداعيات لعنة المعرفة، وتتمثل في محدودية الإقتدار الإنساني لتحقيق خاصيته العقلية العفوية في البحث والإستكشاف، حيث تزداد فرص التجاذب بين تنامي ملكة الإستكشاف والمعرفة مقابل الحجر والحجز والمنع والتستر، والتاريخ شاهد على الضريبة التي تحملتها البشرية جزاء هذا الواقع. يتناول المؤلف المعرفة المحرّمة في بعديها الذاتي والموضوعي، فالناس على دراية بمحرمات مرتبطة بالأديان، أوبضرورات تحت عناوين الأمن والمصلحة العليا، ومعتقدات سرية، أوقضايا الجنس ومايتصل به؛ الا أن البعد الموضوعي هو فرصة لتناول تنمية الوعي وفتح السياقات المعرفية على مندرجات جديدة، وقد سلط الكتاب الضوء على مطارحات أبو حامد الغزالي في علاقة المعرفة الإنسانية بالدين والألوهة. يختم حاتم علامي كتابه بالتأكيد أن هذا العمل الصادر عن مكتب البحوث في الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، والدار العربية للعلوم ناشرون، هو رسالة في زمن التحول وسط منعطف الموت والرجاء والأمل، حيث لا سبيل للخلاص والفوز بفرصة أفضل للحياة إلا بالمعرفة.