وصف الكتاب:
يُعد كتاب "الطرق الصوفية بين الوافد والموروث.. هجرة المعتقد" استكمالا لمسيرة الدكتور عبدالحكيم خليل، خلال مسيرته الفكرية، التي تتناول موضوع التراث والموروث الثقافي الشعبي والخاص بالطرق الصوفية والاعتقاد في الأولياء، التي تهتم بدراسة العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية، حيث يمثل التصوف ثقافة ذو جذور راسخة داخل المجتمع المصري بشكل خاص، والمجتمع الإسلامي بوجه عام يتصل بالمشاعر العميقة للشعب ترتبط من خلاله ارتباطًا وثيقًا لا ينفصم عراه عن محبة آل البيت. كما يمثل التراث الصوفي والحفاظ عليه، مكسبًا ثقافيًا باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، أكثر من هذا فهو جزء صميم فيها. مما يعبر عن التميز والتفرد القومي، وبالتالي تنمية الإحساس بالذات الثقافية والهوية الثقافية المتميزة نحو هذا التراث الشعبي. ويشير الدكتور عبد الحكيم خليل في مقدمه الكتاب حول ظاهرة التصوف باعتبارها من الظواهر المهمة التي تسترعى أنظار الباحثين في حياة المسلمين الاجتماعية، حيث تزدهر في عديد من البلدان الإسلامية. ومازال للطرق الصوفية في عصرنا الحديث كيانها، حيث ينتمي إليها كثير من الناس. وتثير قضية الوافد والموروث في كتابنا هذا شجونًا عديدة حول راهنية ومستقبل الطرق الصوفية في مصر والعالم العربي والإسلامي. وهو واقع ومستقبل ينذر بتحديات جسام ومهام ملقاة على مسئولية الباحث والمفكر والمثقف العربي بوجه عام. ولا نقصد من عرضنا للوافد والموروث في الطرق الصوفية هو عنصر التفضيل لطريقة على أخرى، أو أن هناك طريقة أكثر أهمية وأولوية من غيرها داخل ربوع المجتمع المصري، ولكنه منظور يهتم برصد البعد الثقافي ومدى تأثره بالفكر الوافد إليه وتأثيره فيه للوقوف إلى قضية مهمة وهي هجرة المعتقد. وحين أتوقف عند العنوان «الطرق الصوفية بين الوافد والموروث» يفترض مواقف محددة سلفًا مثل أن يكون للموروث كما يظهر من أولويته في العنوان أكثر قيمة وأهمية وأفضلية من الوافد أو العكس أن يكون الوافد هامًا في إثراء وإخصاب الموروث بحيث يجعله أكثر انفتاحًا على ثقافات أخرى أو أن يكون هناك تأثير متبادل بينها في فترات التاريخ المختلفة، مثلما نجد في كثير مما طرح خلال العقود الأخيرة من كتابات حول التصوف والطرق الصوفية التراث والتجديد. وكما سيتضح لنا في سياق صفحات هذا الكتاب أن الموروث قد يكون وافدًا والوافد قد يكون موروثًا. وإذا ما تأملنا دلالة الوافد والموروث والتقابل بينهما فقد نشعر بالضدية والتناقض من جهة أو الانتقال من المستوى النظري الإبيستمولوجي إلى المستوى المعياري الأخلاقي. ومن هنا نحن نتوقف عند هذين المفهومين الوافد والموروث باعتبارهم ينقلوننا من مجال الدين إلى مجال الفلسفة الصوفية بمعناها الدقيق ومن هجرة المعتقد وخاصة الصوفي إلى أشكال تحوله ودمجه وتجذره بين ثقافة المجتمع المصري الدينية الصوفية لتعبر عن هويته وتحمل بصمات طباعه المتأصلة فيه. كما أن أَوْلِيَاءَ الله الصالحين الوافدين بثقافاتهم المختلفة عن تلك الثقافة التي نحيا بداخلها قد تبادلت المفاهيم الصوفية والأفكار الخاصة بهذه الثقافات الوافدة علينا بالتأثير والتأثر ليس فقط على مستوى العلاقة التاريخية والاشتراك في البعد الوجداني الواضح فيهما، بل تجاوزت العلاقة ذلك لتصل إلى تشابه بنيوي مُلفت من حيث السمات العامة والطموح إلى بناء ثقافة خاصة بعالم الأَوْلِيَاءَ وأتباعهم من المتصوفة على مر العصور، امتلك معرفتها الزهاد الأوائل، وأعاد صياغتها الأَوْلِيَاءَ من الرعيل الأول أمثال الجنيد وغيره، وحاولوا تطبيقها، وأرى أنهم بالفعل قد نجحوا في توطيد دولتهم الأوليائية التي تبنت نوعًا من الثقافة الخاصة بهم التي قد تكون امتزجت فيها بثقافات يونانية وفارسية وهندية، إلى جانب الرسالات الثلاثة التي تباينت في تناولها لأفكار الصوفية ومبادئها على مر التاريخ من اليهودية إلى المسيحية وأخيرًا الإسلام الحنيف. بما أحدث إثراءً للثقافة المتلقية نتج عنه تحولًا وتلاقحًا وتناسلًا لمفاهيم وأفكار جديدة في أفضية متجددة وعوالم متكاثرة. تَبَنَي فيها مجتمعنا تلك الأفكار الصوفية الوافدة إليه مع احتفاظه بخصوصيته الثقافية. وليس ذلك فقط بل قام على تبنيها ودعمها في شكل من أشكال التغير الثقافي والمزج بين ثقافتين احتاجت كل منها للأخرى لتعزز فيما بينها المفاهيم التراثية والهوية العربية والدينية على حد سواء بين القديم والجديد والموائمة بين الوافد والموروث. يتبع المؤلف المنهج "التاريخي الاستقرائي" لعرض تلك الكيفية التى ظهرت من خلالها كافة أشكال الطرق الصوفية عبر التاريخ من خلال ما تيسر من كتابات ودراسات وتحليلات عن سمات الشخصية المصرية وخصائصها عبر حقب متعددة في التاريخ الطويل للمجتمع المصري،حيث يقول:"لا نزعم أننا قد مثلنا لكافة الحقب التاريخية، بل عرضنا للكتابات المتاحة والمتوافرة دون تحقيب تاريخي صارم، وهي كتابات في مجملها تعكس بعض مشاهد الشخصية المصرية منذ فجر التاريخ وحتى نهاية القرن التاسع عشر، وكيف مثلت هذه المعتقدات الشخصية المصرية وارتبطت بها في إطارها العام بما يعكس الانطباعات عن الواقع ويمهد لمعرفة المستقبل". ويمثل الفصل الأول محاولة فولكثقافية في التأصيل النظري لظاهرة التصوف ومراحل نشأتها وتطورها، وكيفية ظهور الطرق الصوفية داخل المجتمع المصري بشكل خاص. وعوامل انتشارها، مع عرض أوجه الشبه ومظاهر الاختلاف بين الطرق الصوفية في مصر. مختتمًا بعرض التنظيم الإداري للطرق الصوفية في مصر، وأنشطتها المختلفة. بينما يعرض الفصل الثاني لأولياء الله الصالحين فلسفة الوافد والموروث والمرتبطة بالجانب الروحي لدى الأولياء مع عرض لنماذج من المتعبدين والزهاد الأوائل، وعرض أشكال الزهد بين الماضي والحاضر، لالتماس الحقيقة والتي هي هدف التصوف الغائب. في حين تناول الفصل الثالث: البناء الاجتماعي للطرق الصوفية من حيث (وسائل جذب المريدين، شروط الانضمام للطريقة، الفئات الاجتماعية بالطريقة، الانتشار الجغرافي للطرق الصوفية، الهيكل التنظيمي للطريقة، أشكال الاتصال داخل الطرق الصوفية، المرأة ودورها في الطريقة الصوفية، وأخبرًا نظام الأسرة في الطرق الصوفية. وتطرق الفصل الرابع الموسوم بـ: تجليات الرمز الصوفي في الطريقة الرفاعية إلى شخصية الولي وكراماته، وتجليات الرمز في الحضرة الرفاعية والممثلة في "الإلهام الصوفي، الرؤيا أو المكاشفة، وتأويل المعاني"، كما عرض لتجليات الرمز في حلقات الذكر الصوفي، وكذا الضريح ودلالته الرمزية، والزمن "تجليات الحضور والغياب". ونفذ الفصل الخامس إلى:عالم الكرامات في الطريقة البدوية، محددًا أهم المصطلحات الخاصة بمفهوم الكرامة، عارضًا لأهم كرامات أحمد البدوي شيخ الطريقة البدوية ومحللًا لها بوصفها مظهرًا للاعتقاد في الولي البدوي. واهتم الفصل السادس بـ "اللغة الصوفية وإعادة الإنتاج في الطريقة النقشبندية"، فكشف عن أهم المفاهيم التأسيسية لهذا الدرس، معرفًا للطريقة النقشبندية من حيث نشأتها ومناطق انتشارها ومشايخ الطريقة، عارضًا للمصطلح الصوفي وتأويله والذي يتم عبر عبر اربعة مراحل أساسية وهي: "التواتر، الاستعادة، الاستعارة، الإبداع"، مع عرض حضرة الذكر في الطريقة النقشبندية والتي تتضمن: "رصيد لغوي وثقافي ـ عالم ميتافيزيقي:خيالي" ـ ثقافة مشتركة". ويختتم الكتاب بالفصل السابع المعنون بـ "التسامح الصوفي وتقبل الآخر في الطريقة الشاذلية"، والذي يعرض لمفهوم التسامح وقبول الآخر بوصفهما أساس الحياة الفكرية والروحية للطرق الصوفية، والتي يحرص أتباع الطرق الصوفية على تنشئة أبنائهم عليها بما يؤكد على دور المرأة الصوفية في نشر قيم التسامح وقبول الآخر. متناولًا للفكر الصوفي بين لغة الحوار وثقافة الاعتدال، ضاربًا بالطريقة الحامدية الشاذلية نموذجًا للتسامح ولغة الحوار مع النفس والآخر.