وصف الكتاب:
يحتل أفلاطون بين فلاسفة العالم مكانة خاصة لم يرق إليها أحد من قبله ولا من بعده، فهو الذي رسم للتفلسف منهجه الحق، وكان خير من طبق هذا المنهج. وما ذلك المنهج إلا أن أفلاطون قد رأى أنه لا يمكن القطع بأي رأي حول أي موضوع من موضوعات الفكر البشري ببساطة ودوجماطيقية. وقد اتضح ذلك من محاوراته، فهي خير تعبير عن تطبيقه لذاك الرأي. ولعل ذلك المنهج الأفلاطوني هو الذي حير الباحثين في فلسفته منذ القدم، إذ أنه قد أدى إلى فتح الطريق أمام اجتهادات كل منهم ليفهم أفلاطون كما يحلو له، بالتركيز على بعض المحاورات دون بعضها. وتلك الاجتهادات قد أدت إلى اختلاف التفسيرات حول فلسفته. وإذا كان ذلك كذلك في كل مجالات تلك الفلسفة الأفلاطونية فإنها تبدو بوجه خاص في مجال البحث حول الألوهية عنده، مما حدا بالباحثين منذ القدم إلى عدم إفراد فصول مستقلة لدراسة فهم أفلاطون للألوهية، إما هروباً من صعوبة بحثها لديه، غذ أنها مرتبطة لديه بكل أجزاء فلسفته أو إغفالاً منهم لأهم جانب من جوانب تلك الفلسفة، التي إن بحثت في أي جزء منها وجدت ذروته مرتبطة بالألوهية. وهذا يرجع في النهاية إلى عالم المثل الذي افترضه أفلاطون، وجعله موطن الحقيقة المطلقة هي المعرفة الحقيقية وما عداها ظن ووهم. فإذا حاول أحد البحث في الأخلاق عند أفلاطون وجد نفسه منساقاً إلى مثال الخير، وإذا حاول البحث في الفن وجد نفسه منساقاً إلى النظر في مثال الجمال ومثال الحب، وإذا حاول البحث في السياسة وجد نفسه منساقاً إلى معرفة مثال العدالة وهكذا.. أما إذا كانت المحاولة بحثاً عن الألوهية لديه فإن الباحث يجد نفسه منساقاً إلى البحث المضني في كل هذه المثل لأنها جميعاً متصفة بالأزلية والأبدية، ومحاطة بأسمى آيات التقدير والسمو لدى أفلاطون وكل منها يمثل إما إلهاً أو صفة لذلك الإله على أقل تقدير. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لزاماً على الباحث في الألوهية لدى أفلاطون أن ينظر في الصانع الأفلاطوني وهل هو الإله، أم أنه مجرد مساعد لـ مثال الخير الذي يرى البعض أنه هو الإله لدى أفلاطون. ولذا فقد ارتبط البحث في الألوهية عند أفلاطون بنظريته في المثل. ولما كان البحث في تلك الفكرة والوصول فيها إلى نتائج ذات قيمة، من الصعوبة بمكان نظراً لاختلاف الآراء وتضاربها تبعاً لاختلاف التفسيرات لنصوص أفلاطون، فقد رأى "مصطفى حسن النشار" ضرورة أن يسير في بحثه هذا في اتجاهين، يحصر بينهما البحث في فكر ونصوص أفلاطون نفسه، وأول هذين الاتجاهين: استقصاء آراء الفلاسفة السابقين على أفلاطون في الألوهية، وقد أدى به هذا الاستقصاء إلى الفكر الشرقي القديم الذي تعرف عليه أفلاطون وأخذ منه في الألوهية بكثير من العناصر التي قد تفوق أخذه من الفلاسفة اليونانيين السابقين عليه. أما الاتجاه الثاني، فقد خصصه لدراسة تأثير الألوهية –كما تصورها أفلاطون- في الفكر الديني، وبالذات في الفكر الإسلامي، وكذلك في الفكر الحديث والمعاصر علنا نتعرف على آراء سديدة حول ألوهية أفلاطون، وكذلك لنعرف إلى أي حد أثر أفلاطون من خلال بحثه الإلهي في من تلاه من الفلاسفة حتى اليوم. وهل هذه التأثيرات قد جاءت عن فهم لطبيعة ذلك التصور الذي وصل إليه أفلاطون أم لا. وقد افرد في نهاية الباب الرابع فصلاً لإيراد نتائج دراسة هذه التأثيرات، وضع فيه مفهوم أفلاطون اللألوهية تحت مجهر العقلانية الصرفة التي تستفيد مما ورد لدى الباحثين المحدثين والمعاصرين للألوهية وكذا مما ورد في الكتب المنزلة حول الله وتنزيهه ومدى علمه وفاعليته في العالم. وبين ذلك الاتجاه والآخر وفي البابين الثاني والثالث، كانت دراسته لتصور أفلاطون في الألوهية رآه أن تكون على مرحلتين، الأولى لدراسة كيف ارتبط تصوره للألوهية بنظريته في المثل وفيها درس ارتباط الألوهية بعالم الطبيعة لديه متمثلاً في الصانع، وارتباط الألوهية بعالم القيم متمثلاً في مثال الخير ومثال الجمال ومثال العدالة، وأخيراً ارتباط الألوهية بنظرية أفلاطون في المعرفة والتي كان هدفها في النهاية الوصول إلى الحقيقة المطلقة والكشف عن طبيعة الإله ومعاينتها. أما المرحلة الثانية فقد رأى الباحث أن تكون لبلورة أفكار أفلاطون في الألوهية ومحاولة تنسيقها حسب ما جرت عليه عادة الباحثين حين البحث في الألوهية. فأفرد فصلاً عن نظرية الخلق عند أفلاطون، وهل كان حقاً لدى أفلاطون فكرة الخلق من العدم، كما ادعى البعض، أم أنه كغيره من الفلاسفة اليونانيين لم يرق إلى ذلك التصور الذي كان الفضل فيه للرسالات السماوية المنزلة؟ وفي الفصل الثاني من ذلك الباب حاول استخلاص براهين أفلاطون على وجود الإله من خلال نصوصه، أما الفصل الثالث فقد خصصه لبيان صفات الإله لدى أفلاطون والكشف عن مدى سموها واقترابها من صفات الإله كما بينتها الكتب المقدسة. وهذا وقد سار في دراسته هذه وفق منهج عقلي يلتزم بالنص وتحليله لدى أفلاطون ولدى من أثروا وتأثروا به كلما أمكننا ذلك.