وصف الكتاب:
عُرف المجتمع المصري عبر تاريخه الطويل بطبيعته الإجتماعية الودودة وحس الفكاهة، فضلا عن الإلتفاف والمشاركة المجتمعية في الفرح وفي الأحزان والأزمات علي حدا سواء. بل ومن سماته وطرائفه كذلك حس الفضول، فتخيل إذا ما جري حادثاً في الطريق، أو ربما حريق أو مشكلة إذ تجد إلتفاف الناس بسرعة البرق حول الحدث لمعرفة ما يحدث، ومنهم من قد يتأخر علي عمله لمد يد المعاونة، أو لمجرد الحرص علي معرفة ما يحدث، ثم لا يلبث ان يقدم كل واحد تصوره الشخصي للحادث أو الموقف وروشتة للعلاج أو الخروج من الأزمة وتجنب تكرارها. وبعيدا عن كون نظرة البعض لهذه السمات بإعتبارها من الصفات المحمودة أو غير المحمودة لدي المجتمع والفرد، إلا أن الشاهد في الأمر هنا مثل هذه الصفات تمثل نواة وقاعدة للبناء عليها إجتماعيا في مجابهة مشاكل المجتمع ومناقشتها، والوقوف علي الأمراض الإجتماعية وتتبع جذورها وعلاجها - إذا ما توافرت المؤسسات المعنية بدراسة السلوك الإجتماعي للفرد والجماعة داخل المجتمع. وتهيئة المناخ المناسب لعلاج السلوكيات السلبية وتدعيم وتنمية السلوك السوي أو الصحي والسليم. ومن بين المؤسسات المعنية بذلك المؤسسات التربوية والثقافية، والتي يأتي في مقدمتها مؤسسة المتحف. وبلاشك أن مثل هذه الخصائص الإجتماعية للمجتمع المصري إن دلت علي شيء فإنما تدل إلي مدي إمكانية نجاح المُتحف كمؤسسة إجتماعية داخل المجتمع. لما لها من دور في نقل نبض المجتمع وصوته، إلا أن ذلك فيما يبدو لم يتحقق في الواقع كما ينبغي بعد. والشاهد في الحقيقة ليس عزوف المجتمع عن المشاركة بقدر ما هو عدم نجاحنا كمتحفيون في الوصول للمجتمع ولمس إحتياجاته وتوقعاته بالصورة اللازمة. أي أنه أمامنا الكثير من العمل لتطوير متاحفنا ورفع كفاءة المتحفيين العاملين بها، والخدمات التي تقدمها للمجتمع من أجل تحقيق الوصول والتواصل الإيجابي مع المجتمع المصري. وعلي صعيد المتاحف المصرية، تشهد المتاحف في مصر حراك ونهضة غير مسبوقة منذ نشأتها قبل قرابة القرنين من الزمن. ولعل أهم ما يميز هذا الحراك وتلك النهضة التي تشهدها متاحفنا في السنوات العشر الأخيرة تحديدا، هو أنها تأتي في صورة تغيير جوهري في دور المتحف تجاه المجتمع، وطريقة تفاعل المتاحف مع المجتمع المحيط، فضلا عن تزايد ملحوظ في عدد المتحفيين الذين درسوا أو تدربوا في المتاحف الكبري والمؤسسات المعنية بالمتاحف حول العالم. فكان التغيير، والذي لم يكن أبدا من غرائب الصدف أن يتزامن مع ثورة يناير 2011. وإنما، هو صورة من صور الثورة الحقيقية والتغيير القادم علي يد شباب المتحفيين المصريين، الذين اكتسبوا من الخبرات والمعرفة، ما دفعهم لمحاولة التغيير وتطوير المتاحف المصرية لتكن صورة تعكس المجتمع، وتتفاعل مع مشاكله وإحتياجاته. فلم يعد من المقبول أن تظل متاحفنا بمثابة أبنية محصنة لحفظ وتأمين الأثار وعرضها لجذب السائحين، بإعتبارها مصدر من مصادر الدخل القومي - كما رأتها الحكومات المتتالية علي مدار عقود-، وإنما هي أداة لتنمية المجتمع وتطويره، بجانب دورها الهام في تكوين الشخصية المصرية. هذا الحراك النابع من السواعد الشابة في متاحفنا، والذي لم يلقي التأييد الكافي من قبل مؤسسات الدولة المعنية - في عقود سابقة، أتي بثمارة في إحداث نقله محسوسة في دور المتحف داخل المجتمع، وفي التزايد الملحوظ في عداد المصريين المترددين علي المتاحف اليوم، والتي شملت أيضا تزايد في المشاركة الفعالة من المجتمع في الأنشطة المتحفية التطوعية والثقافية والترفهية. لا يزال الطريق طويلا أمام متاحفنا، وإن كان أول الغيث قطرة. وفي الوقت التي بلغت فيه الدراسات المتحفية ذروتها في أوروبا وأمريكا وبعض الدول الأسيوية مثل اليابان والصين. لا تزال هذه البرامج تحبو أولي خطواتها في مصر. وذلك علي الرغم من كونها أولي دول العالم القديم في إنشاء المتاحف، وفي العصر الحديث كانت كذلك من البلاد الرائدة في إنشاء المتاحف والتي يعود أقدمها في مصر إلي 1836. فضلاً عن كون نشأت التربية المتحفية كأحد أهم فروع علم المتاحف، ربما ترجع نشأتها للنوابغ المصرية علي يد أحمد كمال باشا، في العقدين الإخيرين من القرن التاسع عشر، والذي نهج هذا المنهج عندما ضُيق عليه الخناق، ولم يستطع العمل كأمين مٌتحف بالمتحف المصري في بداية حياته العملية. وعلي الصعيد الأدبي للدراسات المتحفية، فإن المكتبة المصرية تفتقر لمؤلفات متخصصة. إذا أن عدد المؤلفات والكتب التي تطرقت للمتاحف باللغة العربية يمكن حصره علي أصابع اليدين، فضلا عن أن مجمل هذه المؤلفات تستعرض تاريخ ونشأة المتاحف وأهم مقتنياتها بشكل خاص. ويكاد لا يوجد مؤلف واحد في المكتبة المصرية يتناول علم المتاحف كعلم، منهجيته، فروعه وتخصصاته. وهذا ليس تقليل من جهود ما سبق بقدر ما هو توضيح لإهتمامات كتابات كل مرحلة، فقد ركزت كتابات الأجيال السابقة حول تاريخ المتاحف والمتاحف المصرية ومجموعاتها لتوثق لجانب هام وتغطي مرحلة أساسية، بينما وجب أن تتمحور كتابات المرحلة المقبلة علي علم المتاحف، فروعه ومناهج إدارته، تماشيا مع التطور السريع للمتاحف عالميا، وعربيا ومحليا، وكذلك إنعكاسا لمتطلبات البرامج المستحدثة للدراسات المتحفية بالجامعات المصرية. ولعل البادرة الطيبة التي أقدمت عليها مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع اللجنة الوطنية المصرية للمتاحف علي إصدار سلسلة "كراسات متحفية"، والتي صدر منها بعض الكراسات علي مدار الأشهر الماضية تمثل بداية طيبة لهذا النهج الجديد. وقد كان حٌلم وضع هذا المؤلف يراودني خلال السنوات الخمس الماضية، لما لمسته من افتقار للمكتبة العربية لمثل هذا العمل، وكذلك حاجة وإلحاح العديد من شباب الدارسين، والعاملين والمتدربين في مجال المتاحف في مصر، والذين شرفت بالعمل وتدريب الكثير منهم في برامج التدريب المتحفي التي شرفت بتقديمها من خلال وزارة الآثار، فضلا عن التدريس في برامج ماجستير التراث والمتاحف في الجامعة الفرنسية بالقاهرة، وبرنامج الدراسات المتحفية بجمعية إستكشاف مصر البريطانية والمعهد البريطاني بالقاهرة. وأخيرا، تشرفي بالمشاركة في إنشاء قسما جديدا لإدارة المتاحف، بكلية الآثار جامعة دمياط؛ والذي يعد أول قسم لـ إدارة المتاحف في مصر. راجيا الله التوفيق في تخريج دفعات من المتخصصين في هذا المجال الهام. والمؤلف، الذي بين يدي القاريء اليوم، يأتي علي نهج "علم المتاحف الجديد". وفيه يتلمس المؤلف الخطوط العريضة لعلم المتاحف، مع محاولة تقديم قراءة صحيحة للعلم، منهجيته، فروعه وخطوطه العامة، مع التأكيد علي التعامل مع علم المتاحف كعلم مستقل، ليس كما يراه البعض كفرع من فروع علم الآثار، وليس بالصورة المقتضبة له بالممارسات التطبيقية للعمل المتحفي. وعليه فقد قسم الكتاب لتمهيد وثمانية فصول: قدم التمهيد لنشأة علم المتاحف، وعلم المتاحف الجديد، والآراء المختلفة حول تعريف العلم وفصله عن الممارسات التطبيقية للعمل المتحفي. وجاء الفصل الأول، ليتناول نشأة المتاحف في العالم القديم، والمتاحف الحديثة، وتأصيل فكرة الإقتناء والحفظ والعرض. والفصل الثاني، يستعرض التعريفات المختلفة للمتحف، وتأصيل كلمة مُتحف واشتقاقها في اللغة العربية واللغات الأوروبية. وكذلك تطور تعريف المتحف ليكون متماشي مع تطور دوره الفعلي، الوظائف والأدوار الرئيسية التي يقوم بها المتحف والتي حددها تعريفه. والفصل الثالث، ناقش الأهداف المرجوه من إقامة المتاحف، ودور المُتحف تجاه المجتمع وتنميته علي المحاور المختلفة وخلق بيئة إجتماعية صحية، وكذلك القيم التي يقدمها المتحف للمجتمع. وفي الفصل الرابع، يناقش المؤلف الأنواع المختلفة للمتاحف والمجموعات المتحفية، والقواعد المستخدمة في تصنيف المتاحف، مع إعطاء تعريف مبسط وأمثلة للأنواع المختلفة للمتاحف. وينتقل الكتاب في الفصلين التالين للحديث عن بعض المتاحف العالمية موزعة وفق أنواع المتاحف الفصل الخامس، والمتاحف المصرية نشأتها، تطورها، ومراحلها المختلفة، مع التقديم لأقدم وأهم المتاحف المصرية، ملحقا بحصر لجميع المتاحف المصرية الفصل السادس. ثم الفصل السابع، ويستعرض حركة المتاحف في الوطن العربي، أهم المتاحف العربية؛ مع التركيز علي النهضة والنشاط الملحوظ للمتاحف ودوره في بلاد الخليج العربي. ويأتي الفصل الثامن ليناقش موضوع رئيسي وهام، ألا وهو الفروع المختلفة لعلم المتاحف، واختصاص كل فرع من هذه الفروع، أهميته وتطوره. فضلا عن العلوم المساعدة أو العلوم ذات الصلة بعلم المتاحف، وطبيعة العلاقة بينها وبين علم المتاحف. وأخيرا، الفصل التاسع، وهو يستعرض المؤسسات الدولية المعنية بالمتاحف مثل المجلس الدولي للمتاحف، ومهمة هذه المؤسسات، ودورها تجاه المجتمع الدولي للمتاحف، وكيفية الإستفادة منها والتواصل مع أنشطتها المختلفة. وإذ لم يكن لمؤلف واحد أن يُغطي كل جوانب علم المتاحف، فقد روعي في هذا العمل أن يقدم لأهم الموضوعات الحساسة في علم المتاحف، والتي تمكن القاريء والباحث علي الوقوف علي أرض صلبة وتحديد فهم جيد لعلم المتاحف والفروع والإختصاصات الفرعية. هذا ويبقي الأمل في أن يكون هذا الكتاب هو نواة لسلسلة من المؤلفات التي تغطي الفروع المختلفة لعلم المتاحف تصدر تباعا في السنوات القادمة تحت عنوان موسوعة إدارة المتاحف. يأتي في مقدمتها مؤلف بعنوان "العرض المتحفي"، وأخر بعنوان "نُظم الإدارة الحديثة للمؤسسات المتحفية"، والمتوقع اصدارهما علي التوالي خلال (2019، 2020).