وصف الكتاب:
لا شك في أن الإنسان هو العقل الواعي للحياة، وهذا الإنسان، في وجوده على هذه البسيطة فضلاً عن وجوده المادي لا يعدو كونه إما فكراً أو إخلاقاً، وبخلاف هذين الموقفين، لا يسمى إنساناً، وإلا فبأي المقاييس سنقيس إنسانيته؟ هل سنتصوره كائناً يبحث عن إشباع رغباته على اختلاف أنواعها؟ أم مستجيباً لمؤثرات شتى؟ إن الإنسان في حقيقته، من أروع الإضافات الإلهية إلى الحياة، فأراد منه جل وعلا أن يكون خليفته على الأرض على الرغم من اعتراض الملائكة. في كل إنسان، كائن مطلق، متفرد، لا يشبه بأي شكل من الأشكال كائن مطلق متفرد لإنسان آخر، فلكل قسماته وخصائصه وقدراته. إن لكل إنسان عمقاً ذاتياً، وتنوعاً يتفاوت من فرد إلى آخر، فتجد أحدهم يلمع في التاريخ، بينما يبقى الآخر على هامشه رقماً مكملاً لأرقام. الإنسان الفرد لا يصنع الحياة، فالإنسان الفرد حتى ولو كان نبياً، فلابد من مطيعين له ومؤيدين، والإنسان الفرد لا يعرف خطأه من دون أن يخبره أحد بأنه اخطأ، ولا يعرف بأنه مصيب من دون أن يخبره أحد بأنه أصاب، فالحياة تصنعها وتنسجها وتطورها جموع الناس من خلال انتقالها عبر مراحل التاريخ، من خلال إنجاز أعمالها، والتعبير عن معاناتها وتضحياتها وإرادتها. ولكننا نعتقد أن الحياة ربما يصنعها الإنسان الفرد الذي يتمكن من تسخير عبقرية الجماعة من خلال الإنصات إلى دقيق نبضها واكتشاف إبداعاتها وحسن التعبير عن أخلاقها. وجعبة الإنسانية مليئة بالأسماء من هذا النوع، أولئك الذين كان لهم الدور المؤثر الذي يخطف توهجه الأبصار، أولئك الذين كانوا أقرب إلينا من أنفسنا، اكتشفونا، شعروا بعمانا فتنكبوا لقيادتنا في دروب التاريخ، صنعوا لنا حياتنا، وحركوا التاريخ صوب العدل والحق والمساواة والسلام والحرية.