وصف الكتاب:
انطلاقاً من هذه الأمنية في أن يقرأ كل العرب ما يستطيعون قراءته من التراث القديم إلى الآثار الحديثة، رجعت إلى (رسالة الغفران) لوضعها بين أيدي كبار الدارسين ومُتَوسِّطيهم ومَنْ هُمْ دونَ ذلك. لكن كيف نعود إليها بشغفٍ ولهفةٍ وقدرةٍ على الاستفادة منها بعدما ابتعد عنها القراءُ حتى لم يبقَ لها مكانٌ إلا في أقصى زوايا المكتبات لأنه لا يمكن قراءتها مهما أغرينا الناسَ بقراءتها؟ ألن ينفُروا منها ويفِرُّوا عنها فِرارَهم من همٍّ ثقيلِ حتى لو أعطيتَهم أجراً مُجزِياً على قراءتها؟ وهنا خطرت لي فكرة أرجو أن تلاقي صداها الطيبَ عند الناس وعند طلاب الثقافة وهي القيامُ بــ (إعادة صياغتها). وكان لا بد من إيراد نص (رسالة ابن القارح) لأن رسالة الغفران كانت رداً عليها. ولا يمكن فهم (الغفران) دون الوقوف عند رسالة (ابن القارح). وقد عاملتها بالطريقة ذاتها من إعادة الصياغة حتى تنسجم الرسالتان مع بعضهما البعض. وإعادةُ الصياغة تعني أنني قمتُ بما يلي: 1- استبدلتُ الكلماتِ الغريبة البائدة بألفاظ عادية يفهمها القارئ العادي. وهذا الاستبدالُ تمَّ مع الحرص الشديد في المُحافظةِ على نَسَقِ تركيبِ الجملة عند المعري وعلى تشبيهاته الرائعة التي تنبئ عن مخيلة واسعة. وبهذه الطريقة التي اتَّبعناها تجلَّى جمالُ أسلوبه الذي يتفرَّدُ به في عصره ويلتزم فيه بما هو متعارَفٌ عليه من أصول التأليف في عصره وبين أقرانه. فكانت إعادةُ صياغتنا لها أشبهَ بجلاء الحِلْيَة الذهبية الــمُغْبَرَّةِ ليعود إليها بريقُها. وهذا ما فعلناه أيضاً في إعادة صياغة رسالة ابن القارح. 2- لكن ذلك لم يمنعني من إعادة صياغة بعض التراكيب والجمل بحيث تتخلَّص من مُعاظَلتها التي كان بعضُها دليلَ الفصاحة والبلاغة في ذلك العصر. وحوَّلتُها إلى تراكيبَ وجملٍ سهلة هي مقياس الفصاحة والبلاغة في هذا العصر. وذلك دون الإخلال بأسلوب المعري أو بأسلوب ابن القارح. ومن أصعب المشاكل التي واجهتني في إعادة صياغة التراكيب والجمل مشكلة إحالات الضمائر إلى مَنْ تعود إليه. وابن القارح أشدُّ تعقيداً من المعري في التعامل مع الضمائر. وكثير من هذه الجمل والتراكيب وقف عندها دارسو (الغفران) و(رسالة ابن القارح) ومحققو الرسالتين وقالوا: (إنَّ المعنى غير مفهوم). وقد حاولت جهدي أن لا أترك جملةً غير مفهومة. فتحايلت عليها لأصل إلى معناها من سياق الكلام ومن الفكرة التي يناقشها ابن القارح أو المعري. 3- يعالج المعري على الخصوص – ومثله ابن القارح - عشراتٍ من القضايا النحوية والعروضية واللغوية بحسب طرائق عصره في معالجتها. ومثلُ هذه المعالجات تختلف في كثير أو قليل عن طريقة معالجاتنا لها في العصر الحديث. وقد عالجتُها بطرائقنا المعاصِرة بحيث يَفهمها طالبُ المرحلة الثانوية كما يفهمها الطالبُ الجامعي وطالبُ الدراسات العليا. 3- لا يمكن إجراءُ مثل هذه التغييرات على الشعر. فأبقيت عليه لأنه لا يحِقُّ لنا المَساسُ به. لكني قدمت شرحاً وافياً لكل بيت شعري إنْ كان غير واضح المعنى. فرحان بلبل