وصف الكتاب:
ما هي الذاكرة؟ ولماذا نتذكر بعض الأشياء وننسى أشياء أخرى؟ وهل يمكن لنا أن نتذكر أكثر؟ وما هي العوامل التي تؤثر على الذاكرة وعملية التذكر؟ وهل يمكن تحسين الذاكرة؟ هذه الأسئلة وكثير غيرها تشغل بال الكثيرين، ويحاولون أن يجدوا لها إجابات شافية، ومن الطبيعي أن ينسى الفرد منا بعض الأشياء أحيانا، ومن الطبيعي كذلك أن نصبح كثيري النسيان كلما تقدمنا في العمر، وكثيرا ما نسمع من يقول لقد تركت حقيبتي هنا منذ قليل، حتى أني اعتقدت أنها سرقت، وقد يقول آخر لقد تركت السوق بعد أن دفعت قيمة مشترياتي، ولكني لا أجد محفظة نقودي الآن بعد أن عدت للمنزل. تلك بعض أمثلة لما يمر بنا في حياتنا اليومية وهي تشير إلى أن هناك عوامل تؤثر على قدرات الذاكرة لدينا. ورغم أنه من الممكن التغلب على كثير من هذه العوامل أو منعها، إلا أن بعض أسباب النسيان لا يمكن التحكم فيها، لأنها ترجع إلى عوامل وراثية. ولحسن الحظ فإن كثيرا من اضطرابات ومشكلات الذاكرة يمكن منعها أو علاجها، فالامتناع عن تناول المواد الكحولية والمخدرات والأكل باعتدال والقيام بالتمرينات الرياضية بشكل منتظم كلها تقلل من خطر أمراض القلب أو السكر، وكلاهما يمكن أن يؤثر في الأوعية الدماغية ويقلل من تدفق الدم إلى المخ. وبالرغم من أنه يمكن تغيير العديد من العوامل التي تؤثر على نشاط الذاكرة وحيويتها، إلا أن بعض أسباب فقد الذاكرة تخرج عن حدود سيطرة الإنسان، مثل الخلفية الوراثية للشخص. تخيل أنك تدرس للامتحان الذي يغطي عدة فصول من الكتاب المقرر وتجد صعوبة في استيعاب المادة التي أمامك. أنت تشعر أنك تفهم معظم المادة وتثق في أنك ستكون قادرا على تذكرها. ولكن هناك عقبة أمامك بالنسبة لبعض أجزاء ما تقرأ، إذ أنك لا تستطيع استيعاب بعض الأجزاء التي تشعر أن ليس لها معنى بالنسبة لك. وتحاول أن تحفظ كل كلمة في هذه الأجزاء، ولكنك تصبح بطيئا في تعلم ما تراه، وتشعر بالملل والضيق. والآن تخيل أنك تجلس في الامتحان، إنه ليس امتحانا صعبا كما كنت تتصور، ولكنك لا تستطيع تذكر الإجابة على جزء بسيط سهل، ما اسم حاكم مصر في عام 1882؟ هل هو الخديوي إسماعيل، أم الخديوي عباس؟ أنت تعلم أنك درست الجزء المتعلق بهذا السؤال في الكتاب المقرر ولكنك لا تستطيع تذكر المعلومات المطلوبة. وتحاول استعراض أسماء حكام مصر منذ محمد على ولكنك تفشل في تذكر الاسم وتسلم ورقة الإجابة دون الإجابة على هذا السؤال. وبعد خروجك من الامتحان مباشرة تتناقش مع زملائك في أسئلة الامتحان، ويقول لك صديقك أحمد أنا أعرف اسمه لأنه يشبه اسم عمي إسماعيل. وينتابك الغضب فليس عدلا أن يعرف أحمد الإجابة لأن الاسم المطلوب في السؤال شبيه باسم عمه. ولكن مهما يكن الأمر فهذا هو واقع ما حدث وعليك أن تتقبله. واكتساب معلومة في وقت معين لا يضمن تذكر هذه المعلومة فيما بعد. فهناك العديد من المتغيرات التي تحدد أي المعلومات تثبت في الذاكرة وأيها لا يثبت. وسوف نتناول في هذا الكتاب كيف تعمل ذاكرة الإنسان وما هي العوامل التي تؤثر على فاعليتها. وبعد تعريف بعض المصطلحات الرئيسية التي يستخدمها علماء النفس عندما يتكلمون عن الذاكرة، سوف نتناول العناصر المتعددة التي تتكون منها الذاكرة، وسوف نستخدم في هذه المناقشة نموذج التخزين المزدوج الذي تتبعه كثير من النظريات المعاصرة. ثم نناقش بعد ذلك نظرتين بديلتين عن الذاكرة الإنسانية وهما: نظرية مستويات المعالجة، ونظرية التنشيط. وأخيرا سوف نتعرف على بعض التعميمات التي يبدو أنها صادقة بغض النظر عن النظرية التي قد نتبناها. وتعتنمد الذاكرة في أساسها على عمليات الارتباط، سواء تمت عملية حفظ أو لم تتم. إلا أن هذا القول على صحته يبسط الأمور أكثر من اللازم. وتلعب الدافعية دورا كبيرا في الذاكرة، فبدون الدافعية لا يستطيع أي إنسان عمل أي شيء. ولقد حاول المؤلف أثناء تأليف هذا الكتاب أن يرتبط بالقواعد التالية: - أن يكون كتابا عمليا وبعيدا ما أمكن عن المصطلحات العلمية التي قد تشعر القارئ بالملل. - أن يكون كتابا عمليا بحيث يكون وسيلة لفهم الذاكرة وتحسين القدرة على التذكر. ولذلك يؤكد الكتاب على عمل الأشياء بعيدا عن الأمور الأكاديمية الخالصة. - أن يكون كتابا تعليميا ولذلك يجب دراسته بشكل جيد حتى يمكن الاستفادة من محتواه. - أن يكون موضوعيا يقدم بعض معينات الذاكرة، إلا أنه في نفس الوقت يبين نواحي قوتها وضعفها. - أن يعتمد في مادته العلمية على نتائج البحوث الحديثة عن الذاكرة والتي تبين نواحي القوة والضعف في المبادئ العلمية المختلفة. وخلال العقد الأخير اهتم علماء النفس وعلماء الذاكرة بعمليات التذكر بالبحث في الذاكرة وعوالمها، وتعرضوا لكثير من الوسائل التي يمكن استخدامها لحفظ المعلومات والبيانات في الذاكرة. ونتيجة لذلك نجد أن النشاط البحثي حول فهم الذاكرة وتحسينها قد ازداد بدرجة واضحة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وسيحاول الكتاب أن يقدم للقارئ خلاصة لنتائج آخر الأبحاث في هذا المجال.