وصف الكتاب:
تَزَحْزَحَتْ الدِّراساتُ الأكاديميَّة فِي مَرفأ الدَّرس المَسْرَحي فِي العِراق عن مّا ٱعْتَادَ إليه البَاحثُون من تَنَاوِشٍ لمَوضُوعاتٍ تَقليديَة أُنْجزت خلال الأحقّاب الزَّمنِّيةِ التي سبقت سنة 2003. والسَّبَبُ وَرَاء هذا الحِراك أنَّ البَاحثين بَدأوا يتطلَّعون نحو أفاقٍ عالمية في البحث والتَّقصي ليُسر التَّواصل مع المَنافذ المَعرفية العَالِمية ، وهذا بحدِّ ذاته واحدٌ من الانجازات المُهمَّة التّي أصابت الدَّرس الأكاديمي العراقي عامة والدَّرس المسرحي خاصة . واتساقاً مع هذا التَّوجه العام غامر الدِّكتور مصعب إبراهيم الطَّائي ليخوض في غمار موضوع إشكالي كبير ، وهذا الإشكال متأت من تبنيه لموضوعٍ معرفي علمي صرف وترحيله الى المرفأ المسرحي الجمالي . بمعنى أنَّه أخضع منجزاً جمالياً يعتمد التَّأويل والاستقراء والاستنباط والتَّشاكل والتَّضايف الى منهج علمي يقوم على القياس والضَّبط السِّيمتري وآلات التَّنظيم والتَّحكم المنهجي . يتناول كتاب ضمن فصوله المتوالية التنظيرات العلمية المستحدثة لعلم السيبرنتيك والتأطير الفلسفي لها، ومن ثم يبحث في إيجاد مقاربات تقابلية بينها وبين الفن المسرحي أولاً، ورصد هذه المقاربات وفرزها ثانياً، ولاسيما وأن هذه المقاربات العلمية تقوم بتقنين العمل المسرحي بوصفه مادة علمية تخضع لقوانين محددة وتقدم نتاجات ثابتة لا تخضع للتغيرات العرضية. حيث ان التيارات المسرحية الحديثة التي احتفت بدور المخرج المسرحي بوصفه قائداً ومنظماً للعمل مجالاً رحباً انتهجته أغلب الممارسات المسرحية اللاحقة، مما حدا بتلك الممارسات الى الإمعان في العملية التنظيمية، وتعددت المفردات التي تعمل عليها، ويكشف ذلك التوجه أن تلك الاعدادات قد نحت منحاً سيبرنتيكياً يفرض سيطرة محكمة على العاملين والأجهزة التي يقومون عليها، لتحقيق صورة مشهدية غنية بتضافر الاختصاصات المتنوعة, تسهم في انتاج خطاب بصري منضبط يواشج بين الإنسان والآلة ويستثمر القدرات التقانية التي اتاحتها له التطورات العلمية الحديثة. وفي ضوء ذلك قسم المؤلف موضوعة كتابه على أربع فصول، سبقتها مقدمة الكتاب بقلم الاستاذ الدكتور علي محمد هادي الربيعي تلاها تمهيد استهلالي بقلم المؤلف. وجاء الفصل الاول بعنوان (السيبرنتيك من منظوره العلمي) وضم ثلاثة محاور ابتداء بتعريفات السيبرنتيك وتعدد مجالات اشتغاله، ومن ثم بنبذة تاريخية عن بداية ابتكار العلم وتحديد تطوراته وصولاً الى مرحلة التنظير، واخيراً السيبرنتك ومبادئه العلمية متناولاً اهم النظريات العلمية في تخصصات متنوعة لرواد هذا العلم واركانه الاساسية ومنطلقاته ونتائجه، تصاحبها خطاطات توضيحة لكل اشتغال علمي ليختم الفصل بخلاصة لماجاء في متنه. وجاء الفصل الثاني بعنوان السيبرنتيك في الفكر الفلسفي إذ تضمن الفصل اسقاط تلك التنظيرات العلمية على الفكر الفلسفي لعدد من الفلاسفة الذين قدموا معطيات فلسفية عقلية تقترب من اسلوب العمل المنظومي لعلم السيبرنتيك، وقد ضم الكتاب النظريات الفلسفية لـ (فرانسيس بيكون، رينيه ديكارت،بليز باسكال، باروخ سبينوزا،غوتفريد فيلهلم ليبنتز، دي لامتري، عمانوئيل كانط، اوغست كونت)، ثم خلاصة الفصل وقد دعم الفصل بخطاطات شكلت مقاربات مع الخطاطات العلمية للفصل الاول. اما الفصل الثالث (السيبرنتيك في العرض المسرحي) فقد تضمن الفصل اهم الحركات المسرحية والمخرجين الذين عملوا باساليب اخراجية على وفق مبدأ الادارة والتحكم والضبط، مستثمرين الاجهزة الحديثة والتقنيات، فضلا عن الامكانيات المهارية للمثل، واهم تلك الحركات التي تناولها الكتاب والمخرجين (المستقبلية، فسيفولد مايرخولد، ماكس راينهارت، تادوش كانتور، جوزيف زبوفودا، جوزيف شاينا، اوجستو بوال ومسرح المقهورين، اريان مينوشكين ومسرح الشمس) يتبعها خلاصة الفصل، وايضاً يدعم مجمل ذلك خطاطات تقابلية مرتبطة بخطاطات الفصل الاول والثاني. وجاء الفصل الرابع (نماذج تطبيقية لعروض مسرحية) وتم خلال هذا الفصل اسقاط الجوانب التنظيرية على مجموع من العروض العالمية والعربية والعراقية ليتمكن القارئ من الوقوف على الية تطبيق تلك التنظيرات بشكل عملي على مجالات المسرح المتنوعة، وقد تناول الكتاب كل من عرض (بين الغسق والفجر) للمخرج اللبناني وليد عوني، وعرض (شعر مستعار) للمخرج العراقي بشار عبد الغني، وعرض (يا سلام يا ابو سلام) للمخرج الفلسطيني ادورد معلم، وعرض( نموذج الانسان 1) للمخرجة الالمانية ميناكوسيكي، وعرض مسرحية (ملاسومبورا) اخراج مشترك بين المخرجة السنغافورية اندريا كروز والمخرج الاسباني طوميو غوميلا,