وصف الكتاب:
يفتح لنا تاريخ القدس القديم أبواباً مشرعة كثيرة على حقول غامضةٍ ومستعصية على البحث.. مازالت حتى يومنا هذا مثار جدلٍ واسع بين الباحثين، فهو تاريخ يشتبك ويتداخل مع ظهور مستوطنات ما قبل التاريخ الرعوية والزراعية، ثم يشتبك مع هجرات الأموريين الأولى إلى بلاد الشام، تلك الهجرات التي مازلنا نجهل عنها الشيء الكثير، ثم يشتبك مع هجرات الكنعانيين واستيطانهم في بلاد فلسطين. ولعل أعلى مناطق الاشتباك هذه، والتي مازال يحجبها ضبابٌ كثيف تظهر في مطلع العصر الحديدي في فلسطين، حيث تصادفنا المرويات التوراتية الدينية التي تحلق بالتاريخ نحو الأساطير والملاحم والحكايات الشعبية ولا يعود بإمكاننا، إذا نحنُ أخذنا هذه المرويات بنظر الاعتبار، تمييز أي ملامح تاريخية حقيقية، ولذلك توجب علينا الحذر الشديد من شباكها وفخاخها التي ظلت ومازالت تطوّح بأكثر العلماء والباحثين جدّيةً ورصانةً. يأتي كتابنا هذا ضمن محاولة متواضعة لكتابة تاريخٍ حقيقي لسيرة مدينة القدس منذ ظهورها وحتى الاحتلال الروماني لها. ونعني بكلمة (تاريخ حقيقي) استبعاد كل المؤثرات الدينية التوراتية للتحكم بمسرى الأحداث وتوجيهها.. وخصوصاً تلك التي لها علاقة بنشوء المدينة ونموها في العصرين البرونزي والحديدي، أي خلال ما يقرب من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.