وصف الكتاب:
لا بد أن أعراض الفلسفة قد أدركته، وقد كانت تنتابه كثيرًا حينما يتذكر أي دراما، تنتابه في البداية حالة من الذهول كأنه لم يفهم شيئًا مِمَّا قرأ، كان موقنًا تمامًا أنه لا يدرك شيئًا، للوهلة الأولى فقط يشعر بالذهول، لكنه حينما يتحدث عن فيلم أو رواية أو قصيدة يأخذه التأويل إلى زاوية خاصَّة، وبقدر ما يتماسُّ هذا العمل مع زاويته الخاصَّة كان يدرك ويتحدث ويُؤَوِّل، لكنه قَطُّ لم يدّعِ فَهمَه عملًا ما، فلم يكتب قط عملًا أدبيًّا، ولم يصنع فيلمًا ما لكي يفهم. شعر باللذة وهزَّه الطرب، كعادته دائمًا حينما يصل إلى شيء ما، مؤقَّتٍ دائمًا. أدرك أن عينه معلَّقة بمَمَرِّ المقهى، فقد عَوَّدَته ذلك لتأخُّرها الدائم، فتَعلَّم كيف يراقب القادمين على اختلافهم، وحفظ كثيرًا من الوجوه والخطوات القلقة والهادئة الساذجة والغبيَّة العابرة، أو من ستتوقَّف على المقهى قليلًا، أو من تتوقَّف للجلوس كأنها قادمة إلى بيتها المعتاد، وكانت عيناه دائمًا تقيمان علاقة أوثَقَ بالعابرين، فقد علَّمَته المجنونة والمقاهي أن العابرين أكثر وجودًا من غيرهم، وأقَلُّ سماجةً وأكثَرُ لُطفًا وتأثيرًا