وصف الكتاب:
كان جاك لندن في أيامه واحداً من مشاهير الروائيين الأميركيين بقدر ما كان من نجوم الكتاب اليساريين. فجاك لندن كان ركناً في التيار الاشتراكي الأميركي الذي عانى كثيراً من الموجة الماكارثية التي طاردت وحاصرت مثقفي اليسار الأميركي. رواية «نداء البداءة» رواية رفيعة عن الكلاب بل لها بطل هو الكلب «بك» الذي عاش حتى سنواته الأربع في بيت القاضي. كانت حياته إذ ذاك حياة رخاء ومرح ولعب. يرافق القاضي ويحمل أحفاده على ظهره. كان على حد جاك لندن «ملكاً على كل الأشياء الزاحفة والطائرة في بيت القاضي ميلر». لم تسر كل حياة «بك» على هذا المنوال فقد شُدّ ذات يوم بحبل ونقل مع زمرة من الكلاب إلى الشمال القطبي ليكون جزءاً من قافلة تحمل الأشياء وتبقى تحت السوط والهراوة. كان «بك» الذي يستعمل جاك لندن في وصفه كلمات من نوع يحلم ويتذكر ويشاهد في منامه، يتكيف بسرعة مع حياته الجديدة، اكتشف بالتجربة أن النوم داخل حفرة ينشئها في الجليد يمده بالدفء. تكيف حتى أبعد عنه هراوة المالكين، لاحقته في يوم الكلبة دوللي التي أصيبت بالسعار إلى أن تصدى لها المالك وقطع رأسها، خاض «بك» مع الكلب سبتز معركة طويلة فـ«سبتز» هو سيد القطيع و«بك» الأخلاقي يبدأ بحماية الكلاب من عنف «سبتز». لكن المعركة هي معركة على السيادة. إنها بهذا المعنى معركة سياسية، يصبر «بك» إلى أن يستطيع أن ينال من «سبتز»، هكذا يعلمنا جاك لندن أن على المغلوبين أن يصبروا وأن ينتظروا إلى أن تحين الفرصة ليثبوا وينتقموا.ينتقل «بك» وبضعة من الكلاب إلى عهدة ثلاثة هم تشارلز وهال ومرسيدس، مجموعة لم يكن لها مراس بالكلاب. لذا طاشت حساباتها، فأعمل هال ضرباً وتجويعاً للكلاب فيما مرسيدس تتضرّع له أن يكفّ، ويبقى تشارلز ساكتاً. هزلت الكلاب ولم يعد في وسع «بك» الضخم أن ينهض فتدخل تشارلز ثورنتون وقطع الحبل الذي يشدّه وبقي معه ومع بضعة كلاب مهزولة عاجزة، استردّ «بك» عافيته وكذلك ثورنتون. بهذه العافية نجح في هزيمة سيد الوعول رغم قرونه المشتجرة. وطارد الذئب إلى عمق الغابة، لكنه في ظلام الغابة أخذ يرتد إلى وحشيته، إلى حبه للدم والعنف، بعد ذلك تحول إلى ذئب ضخم لا كالذئاب إذ ترك سلالة من الذئاب تحمل بقعة بنية على الرأس والبوز. ليست رواية جاك لندن للأطفال وليست نسخة أخرى من كليلة ودمنة، إن فيها فكر جاك لندن ودعواه اليسارية. «بك» الضخم القوي هو رمز المغلوبين الذين ما أن يشعروا بقوتهم حتى ينتزعون ما يعتبرونه حقهم، لكن ذلك يحتاج إلى صبر ودربة. أما في النهاية فهم لن يحتملوا أن يكون لهم سيد أو معلم، الحرية هي مطلبهم وأن تكون لهم السيادة على أنفسهم، رواية جاك لندن الجميلة تزاوج بين طبع الكلب وعقل الإنسان. «بك» ليس فقط رمزاً، إن له وجوداً حقيقياً. انه يبقى كلباً برغم كونه يفكر كإنسان.