وصف الكتاب:
إن مما يحقق التواصل بين الحضارات هو ما تسعى لإنتاجه من أعمال فنية تترجم من خلالها فلسفتها للحياة ورؤيتها للأحداث، وتسطر بها في التاريخ درجة تفوقها الفني، ولحظة تفاعلها مع باقي المنجز الحضاري الموازي. ومن بين أهم الفنون الحضارية التي تعمل عمل المرآة لتطور قيم الذوق والقوة للجماعات الإنسانية، نجد العمارة، أو ما نسميه بالشعر الصامت، الذي شكل أول لقاء بين الإنسان والمادة حسب هيجل، وهو في كل وقت علامة على مستوى التحضر بما يوفره من أجوبة فنية عن سلم الحاجات والضرورات وتحقيقه لأكبر قدر من الكماليات، وعلى قدر وفاء العمارة للشروط الفنية والحاجيات الأصيلة لصانعي الحضارة والثقافة ينعكس ذلك على “المتجلي” عمرانيا وجماليا في الفضاء الهندسي والتواصلي بين الحضارة الواحدة وغيرها من الكيانات الحضارية. لا يجمل بنا أن ننسى أن ما تتميز به الحضارات عن بعضها في هذه الصناعة النوعية يكمن فيما قدمته من “قيم” وأضافته من اجتهادات لرفع هذا الصرح البشري القائم وهو العمران، فقد قامت كل حضارة على أسس أخلاقية وأنظمة سياسية ومعتقدات غيبية كان لها التأثير المباشر في بناء صورة العمارة ونوعية محيطها الحضري.