وصف الكتاب:
العقيدة هي جوهر هذا البحث وغايته؛ ومن هنا وجب الوقوف على معناها، وهي لغة مشتقة من العقد، وهو الجمع بين أطراف الشيء بوقوف وإحكام، ومنه العقد في الإعتباريات كالبيع والنكاح؛ لأنه يشدّ بين إلتزامين، وفي التكوينيات كعقد البناء وعقد الحبل، وفي الحقائق المعنوية يقال اعتقدت كذا؛ أي عقدت عليه قلبي وضميري، وأهل الحلّ والعقد أكابر الناس من العلماء والوجهاء الذين يرجع إليهم ويعتقد بهم، والعقيدة الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقد، وهو نوع من العقد التكويني؛ لأن الإنسان يعقد قلبه على ما آمن به في الدين. فيجمع القلب أطرافه عليه أو يجمع القلب أطراف الشيء فيقال عقد القلب عليه، وهي في الدين ما يقصد به الإعتقاد دون العمل في مقابل الأحكام الفرعية، والعقيدة الحسنة أي السالمة من الشك والإرتياب. ومن هنا، تسمى أصول الدين بالعقيدة إصطلاحاً، وبهذا يظهر أن العقيدة ليست فهم الحقائق الغيبية فقط، أو العلم بها عبر الدليل والبرهان، أو التقليد فيها والإتباع للغير؛ بل هي الإلتزام قلبي يتصف بالرسوخ والثبات، ومن هنا قال الفقهاء والأصوليون بوجوب الإلتزام بأصول الدين، بمعنى عقد القلب بما عُلم منها بالعلم الوجداني أو التعبدي على الأقوى. وبهذا يظهر أن التشكيك والتردد والإرتياب ينم عن ضعف الإعتقاد أو عدم الإعتقاد أو عدم كماله، ولكن لا يسّمى المؤمن بعقله أو بالحجة والبرهان مؤمناً كاملاً أو معتقداً ما لم يلتزم قلباً بمؤداه، كما يدل على ذلك قوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله)... فإنه لا يستقيم الأمر الثاني بالإيمان إلا بجعله على عقد القلب زيادة على الإعتقاد العقلي، وإلا خرج الكلام عن موازين الحكمة؛ لإستلزامه التكرار وتحصيل الحاصل. ويعززه قوله سبحانه: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم؛ فإن المعيار في الإيمان هو دخوله القلب وإنعقاد القلب عليه وليس جريانه على اللسان أو حضوره دليله في الذهن. من هنا، تأتي أهمية هذا البحث الذي اتسم بوضوح العبارة، وعدم الإكتفاء بإستعراض المباحث إنطلاقاً من الأدلة النقلية؛ بل عمد الباحث إلى تفريعها عن الآيات والروايات جملة من الحقائق والدقائق المعرفية المهمة كنتائج مستفادة من النصوص، لذا جاءت الأبحاث متنوعة تحاكي مستويات الباحثين، وتخاطبهم بلغة العبارة أحياناً أو الإشارة أو اللطائف أو الحقائق أحياناً أخرى؛ لأنها مستوحاة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة؛ وكل منهما يخاطب الناس بلغة المراتب الأربعة. وقد انتظم البحث في مبحث تمهيدي وأصول أربعة تضمن المبحث التمهيدي إستعراض جملة من المقدمات المعرفة بموضوع البحث وغاياته، ثم إستقراء مناهج المعرفة وتقويمها على ضوء القرآن الكريم والسنّة الشريفة والعقل، وشرح المنهج الذي قرره الباحث وبيان بعض خصوصياته ومزاياه وذلك ضمن ثلاثة مطالب. وأما الأصول الأربعة فهي التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد؛ بعد إدراج أصل العدل الذي يعدّه الإمامية من الأصول في مباحث التوحيد؛ لأنه من فروعه، وإنما تمّ تخصيصه بالذكر لوجود حكمة فنية أو منهجية استدعت ذلك؛ كما سيتبين للقارئ، وانتظم كل أصل من هذه الأصول ضمن فصول، والفصول في مباحث؛ والمباحث في مطالب استوعبت أكثر مباحثه وخصوصياته وأحكامه؛ ولذا جاء البحث في ثمانية أجزاء، كل جزئين تضمناً أصلاً من الأصول: التوحيد، النبوة، الإمامة والمعاد.