وصف الكتاب:
النمّام هو الذي ينقل الحديث بين الناس على جهة الإفساد بينهم وإلقاء العداوة والبغضاء، وحكمها حرام بإجماع المسلمين، وقد ثبت في تحريمها أدلة شرعية من الكتاب والسنة، ففي الكتاب قال تعالى:)هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم ـ 11)، وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(لا يدخل الجنة نمام)، والنميمة تجمع إلى مذمة الغيبة رداءة وشراً وتضم إلى لؤمها دناءة وغدراً، لأنها تؤول إلى تقاطع المتواصلين وافتراق المجتمعين وزرع الكره والحقد بين المتحابين، وفي الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مر بقبرين قال:(إنهما ليعذبان يوما وما يعذبان في كبير، أما أنه كبير، أما أحدهما فكان لايستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة)، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها اثنتين وغرز في كل قبر واحدة، وقال:(لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا)، وقوله:(وما يعذبان في كبير أي ليس بكبير تركه عليهما)، أو ليس في زعمهما ولهذا قال في رواية أخرى: (بلى إنه كبير)، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه، ومن كان ذا لسانين في الدنيا فإن الله يجعل له لسانين من نار يوم القيامة)، ومعنى أنه كان ذا لسانين بمعنى صاحب الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وكلام ويأتي هؤلاء بكلام آخر ووجه آخر، وتكون صيغة النميمة بنقل كلام شخص إلى آخر بقوله: فلان يقول فيك كذا، وليس هذا فقط غرض النمام وإنما هدفه هو كشف ما يكره كشفه، سواء كره المنقول عنه أو المنقول إليه أو ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز أو الإيماء أو نحوها، وسواء كان من الأقوال أو الأعمال، وسواء كان عيباً أو غيره ن فحقيقة النميمة إفشاء السر وكشف الستر مما يكره كشفه واطلاع الغير عليه. وقد قال العلماء: إن كل من حملت إليه نميمة وقيل له: قال فيك فلان كذا وكذا لزمه ستة أحوال: الأول: أن لا يصدقه لأنه نمام فاسق وهو مردود الخبر، والثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله، والثالث: أن يبغضه في الله عز وجل، فإنه بغيض عندالله والبغض في الله واجب، والرابع: أن لا يظن في المنقول عنه السوء، لقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات ـ 12)، والخامس: أن لا يحمله ما حكى له على التجسس والبحث عن تحقق ذلك، والسادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي بنميمة، وقد جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز، بشيء فقال له: يا هذا إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات ـ 6)، وإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية:(هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم ـ 11)، وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفة يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبداً، واعلم أخي المسلم أن من نقل إليك حديثا فهو بالمقابل ينقل حديثك إلى غيرك وهذا مثل قول الناس: من نقل إليك نقل عنك فاحذره، وروي أن أحد الصالحين زار أخاً له، وذكر له بعض إخوانه شيئاً يكرهه، فقال له: يا أخي أطلت الغيبة وأتيتني بثلاث جنايات بغضت إلى أخي، وشغلت قلبي بسببه، واتهمتُ نفسك الأمينة فهذه مخلفات النميمة وهي من شرار الأعمال، لما تتركه في نفس الذي ينقل له الكلام، فتتغير مشاعره نحو الآخر، وتتزعزع المودة وتتوتر العلاقات، فليتقي المسلم ربه في الناس ويتجنب هذه المعصية والإفساد بين الإخوان وبين المسلمين، ويسعى بدل ذلك بين الناس لأعمال الخير والبر، فإن لسانه يجلب له الازدراء إذا علم الناس اشتغاله بالنميمة ويتجنبه الصالحون، وله عقاب من الله في الآخر.