وصف الكتاب:
تناول الباحثون والدارسون الإمام الصادق عليه السلام سيرة وفقهاً وعلوماً، وكان الجانب الخططي والبلداني غائباً عن الأذهان، أو المرور به سريعاً دون الخوض في أهدافه. وهذا مما دعا "حسن عيسى الحكيم" للكتابة فيه والكشف عن جانب علمي من جوانب الإمام الصادق عليه السلام، وبدأ يستخلص من بين الروايات والنصوص ما أشار إليه الإمام عليه السلام من تحديد دقيق للأماكن والبقاع، كان لها أهمية تاريخية ودينية، وقد كشف عن بعضها معالم كادت أن تندرس لولا تحديده لها، وقد ساعد الظرف السياسي الإمام الصادق عليه السلام على التنقل بين الحجاز والعراق للوقوف على المعالم التاريخية والدينية ومنها مراقد الأئمة عليهم السلام، إضافة إلى اتساع الحركة العلمية والفكرية في عصر الإمام عليه السلام، إذ تبلورت خلال القرن الثاني للهجرة آفاق الفكر والمعرفة وأخذت المعارف والعلوم بالنضج والإبداع، فقد كان الإمام خلالها معلماً تربوياً، وناقداً رافضاً للأفكار المناوئة للإسلام، حيث جند نفسه للدفاع عن مبادئ الدين بالحجة والمنطق وتصدى للزنادقة والمرجئة والإلحاد عن طريق المناظرات ومجالس الجدل، وسار بعض تلاميذه على خطواته للدفاع عن العقيدة ودفع شبهات المضللين والمخالفين، وقد أصبحت المدينة في عصره مقصد العلماء والمفكرين، ومدينة الكوفة في أثناء مكوثه فيها مدرسة للفقه والحديث والعلوم الإسلامية الأخرى، فهو صاحب مدرستين كبيرتين، مدرسة الحجاز التي ضمت العلماء من التابعين ومدرسة العراق التي ضمت أبناء المقاتلين والمجاهدين الذين تحملوا أعباء المعارك في العهد الراشدي، والذين اتخذوا من مدينتي البصرة والكوفة موطناً لهم، فقد كان عليه السلام في أًثناء تواجده في المدينة المنورة أو في مكة المكرمة أو في الكوفة والحيرة يلتف حوله جماعة ويسأله آخرون، في مختلف فروع العلم ومنها الجانب التاريخي، الذي يعد موضوع "الخطط والبلدان" جزء منه، فقد كانت روايته التاريخية ذات شمولية من حيث الزمان والمكان، فقد تعرض لتواريخ الأنبياء عليهم السلام، وحياة العرب في عصر ما قبل الإسلام، والسيرة النبوية الشريفة، ومغازي الرسول الأعظم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وتشريع الفرائض الإسلامية، وأشار الإمام عليه السلام إلى جوانب مهمة من تاريخ الخلافة الراشدية والعصر الأموي، وكشف عن جوانب مهمة من حياة الأئمة من آل البيت سلام الله عليهم بدءاً من سيرة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وانتهاء بالإمام محمد بن علي الباقر، أما العصر الأخير من حياة الإمام الصادق، وهو العصر العباسي الذي عاش فيه مدة ستة عشر عاماً، فإنه أعطى صورة دقيقة لأحداثه السياسية والفكرية.