وصف الكتاب:
لما كانت تجربة التصوف الإسلامي قائمة على علاقة تفاعلية مع "القرآن الكريم"، علاقة جدلية دعوناها "التبيّن"، وكان هذا التبيّن لا يتأتى إلا بــ"التأوّل" الذي هو التخلّق ظاهراً وباطناً باحكام "القرآن الكريم" وآدابه، فإن الإدراك الناتج عن تلك العلاقة التفاعلية هو التأويل الذي يجده كل مجرب في ذاته علماً أو عيناً أو حقاً، وبآلية التأويل قد يقوم المجرب بــ"التبيان" الذي ينقل عبره ما علمه أو عاينه أو تحققه، مراعياً مناسبة السياق أو المقام. في "الخطاب الصوفي" تكاد تماهى التجربة واللغة، عبر السلوك في مراحل التأوّل، وقد تماهياً في منازل ما بعد الوصول، عندما يُقام بوظيفة التأويل من أجل التوصيل؛ إن تجربة المتصوف مع النص القرآني تجربة إشتغال دؤوب يثمر له معرفة ذوقية بحِكَمه ومقاصده، معرفة تُحوّل العبارات إلى إشارات، إن في القرآن أو في الأكوان، هي كلمات الله عزّ وجلّ التي لا تنفد، رسائل إلى الإنسان، كلما قرأ منها آية تغيرت نظرته إلى العالم فتشكلت الآيات رموزاً وإشارات، قد تطفو على السطح لغةً طبيعيةً لكن لها في سر القلب حقائق ولطائف؛ فالمتصوف كلما تخلق تحقق، وكلما تحقق تذوق فتخلق أصدق، وتحقق أعمق، وتذوق أرقّ... إن مصطلحات "الخطاب الصوفي" ومفاهيمه متوحدة الألفاظ منذ نشأة القول في روحانيات الإسلام - وقد انتهى الدارسون، بعد إضطراب، إلى أن لغة التصوف مستقاة من "القرآن الكريم" والمأثور الإسلامي - غير أن تعريفات التصوف ومصطلحه تتعدد وتختلف إلى درجة التعارض، وما ذلك إلا لتنوع التجارب الذاتية تنوعاً يساوق الخصوصية الفردية للإنسان عامة، وإبداعية المتلقي المنفعل بما يتلقى والمتفاعل معه خاصة، وقد قال القوم: "لون الماء لون الإناء"... وبإمكان الإنسان أن يحقق إبداعيته النافعة حالاً ومآلاً، لتتسع العبارة بإتساع الرؤية، إذا ما وسع إناءه وصفى ماءه، ولا يتأتى له ذلك إلا إذا تخطى أناه ولبى ندا مولاة.