وصف الكتاب:
منذ الخمسينات في القرن العشرين، عمدت الحركات التحررية القومية والاشتراكية، إلى مناهضة الاستعمار، وأرست كياناتها القطرية بعد مرحلة الاستقلال، بالاستناد إلى علمنة الدولة في نظام الحكم، ووعدت بتحقيق الوحدة والتنمية، لاستكمال نموذج النهوض بالأمة، ولكن بعدما كشف أكثر من عقدين من الزمن عجزها عن تحقيق وعودها في الحرية والتنمية والحدة، برزت الحركات الإحيائية الإسلامية، داعية لإقامة نموذجها الإسلامي في الحكم. وحدد بعضها أطر العلاقة مع الغرب عبر تقسيم المعمورة إلى دار الإسلام ودار الحرب. وطرحت الإسلام بوصفه ديانة عالمية تستوجب التصميم سواء عن طريق الجهاد، أم الحكمة والموعظة الحسنة، ومع تنامي دور الحركات الإحيائية، تبرز هذه الحركات بوصفها تحمل نموذجاً حضارياً عالمياً، مقابل عالمية الحضارة الأوروبية, في حين أن هذه الحركات ما زالت على أساس حاكمية الإسلام وتطبيق الشريعة، كقاعدة للنهوض نحو ترسيخ نموذج الإسلام على مستوى الأمة والعالم. وأحد أبرز هذه التعقيدات، مواجهتها لجملة من الأسئلة حول تطبيق الحاكمية والشريعة في منطقة شديدة التنوع الديني، وبين هذه الأسئلة أن عامل الدين لا يؤدي إلى الإحساس بوحدة الهوية، في حين هوية الأمة، من شأنها أن توفر للتنوعات الدينية والإثنية الإحساس بوحدة الانتماء إلى الأرض والوطن. ولا بد والحال كذلك، من إحساس الفرد من منظور الدعوة إلى علمنة السلطة، بأنه مواطن يتمتع بحقوق وواجبات تتجاوز حدود الانتماء الديني أو الإثني. ورغم أن هذه الدعوات بقيت في العالم العربي أسيرة الأطر النظرية غير أنها بلا شك تقف بمواجهة النموذج الديني كمتخيل ينحو به حملته ورواده نحو التحقق العملي في ميدان الواقع. بالاستناد إلى ما تقدم تبرز المشكلة على أنها ترتكز إلى أبعاد نهضوية، بعضها تحمل منطلقات علمانية، وأخرى إسلامية، في دوائر تطال الكيانات الموجودة، ثم الأمة، فالعالم. وبلا شك فما هو مطروح هو إشكالية سجالية مسنودة إلى تباين المنطلقات بين تيارات النهوض الوطني والحضاري، وهي مقرونة إلى الواقع بتداعياته المحلية والعالمية في علاقات الشعوب مع نفسها، وعلاقاتها مع المحيط، ومع المكون الحضاري العالمي الذي بات مطروحاً بنموذجه الكوني أكثر من أي وقت مضى. وبالاستناد إلى البعد السجالي الذي يشكل الإيمان الديني أحد أبعاده، فإن ثمة محاولة فعلية لاستكشاف دور الإيمان الديني انطلاقاً من مفهوم الإمام الصدر، والتساؤل هل الإيمان الديني يؤدي دوراً حضارياً نهضوياً في بلد متعدد الطوائف كلبان، أم يؤدي إلى تكريس التمايز الديني والطائفي بما يجعل إمكانية العيش المشترك وتكوين هوية وطنية أمراً مستبعداً؟ كيف يلعب الإيمان الديني دوراً نهضوياً يتخطى حدود الجغرافيا الوطنية إلى حدود الأمة والعالم لا سيما أن الإيمان الديني كما هو مطروح، يبقى مستنداً إلى التمازج بين الإيمان كشأن فردي، وانعكاس هذا البعد في الإطار المؤسساتي للدولة، ويقدم نفسه على أنه نموذج عالمي في عالم يضج بالتناقضات. كيف يؤدي الإيمان الديني كما يفهمه الإمام الصدر دوره النهضوي لا سيما أن الأديان ليست واحدة. وبالتالي فإن الدين الواحد مفتوح على تعدد الطوائف، إذ كيف يستطيع الخاص أن يصبح عاماً مع الاحتفاظ بخصوصيته كمصدر لوجوده النوعي؟