وصف الكتاب:
تعددت العوامل التي جعلت من الجاحظ أديبًا ساخرًا، يجعل من السخرية فناً وأدباً له أشكاله وضروبه،. ومنها: 1- الوراثة كان جد الجاحظ أسود يقال له فزارة. وكان هذا الجد فكهاً مرحاً؛ وكذلك كانت ام الجاحظ فيها ميل واضح إلى السخرية فقد روُيَ أن الجاحظ في حداثته مشتغلاً بالعلم، فطلب من أمه الطعام يومًا، فجائته بطبق فيه كراريس، فقال لها: ما هذا؟ قالت: هذا الذي تجئ به. فالميل إلى المرح والفكاهة والسخرية لدى الجاحظ يرجع في الجانب منه إلى الوراثة. 2- المجتمع والبيئة أ- بيئته العامة نشأ الجاحظ يبيع الخبز والسمك بسيحان، وكان يتردد على كتاب القرية، يتلقى مبادئ العلوم مع أمثاله من الصبيان. فهذان المجتمعان يحفلان بالنوادر والطرائف. وفي مجتمعه، أيضاً، ظهرت طبقات - أو طوائف - البخلاء، والحمقى، والمتعلمين، فسرت فيه روح الخفة والتهكم. و قد كان هذا المجتمع حافلاً بالمتناقضات، مليئاً بالمخالفات، وكان على الجاحظ أن يقاوم - أثناء مكثه في بغداد - تياراً عاماً من الجد والكآبة والصرامة، وهذا ما يعلل إشاراته العديدة إلى فوائد الضحك. ب- بيئته الفكرية كان لبيئته الفكرية أثرها الكبير في نمو السخرية عنده، وبراعته فيها. فقد نشأ في الكُتاب حتى كبر سنه، ثم قصد شيوخ البصرة، وائمتها في العلم والأدب، ولزمهم. ومن شيوخ البصرة الذين لا يضيعون فرصة للسخرية أبو عبيدة بن معمر المثني، وإبراهيم بن سيار النظام؛ الذي كان مشهوراً بالدعابة والسخرية، وقد لازمه الجاحظ ملازمة شديدة، ظهرت آثارها في كتباته. ومنهم - أيضاً - ثمامة الأشرس، وقد نقل عنه تلميذه الجاحظ كثيراً من أدبه، كما كان أستاذاً له في المجون والفكاهة والنادرة اللاذعة. وفي بلاط المتوكل، اتصل الجاحظ برجال تخصصوا في الهزل والفكاهة والسخرية، منهم أبا العنبر الهاشمي، وأبا العنبس، والجماز. فصار الجاحظ واسع الأطلاع، موفور الثقافة، فقال عنه أبو هفان: “لم ار قط، ولا سمعت، من أحب الكتب والعلوم، أكثر من الجاحظ. وكان علمه لم يقف عند حد،” --أسباب سخرية الجاحظ إن سخر الجاحظ متصل بطبيعته المرحة، وفنه، وبموقفه من الحياة وهو موقف التوجيه والنقد، فلم تقم سخريته على عاطفة شخصية، ولم تقم على الهجاء أو الشتم. فعاش الجاحظ في مجتمعه بعين الخبير الناقد فكان يعالج المشكلات بالضحك والسخرية وخاصة في مواجهة خصومه. فسخر من كل تصرف أو قول غريب يخالف قواعد مجتمعه طمعاً في رد صاحبه إلى نصابه، أو رغبة في التسلية والمرح، فيُلاحظ أن تيار السخرية يسري في كل كتاباته التي تتناول شتى الموضوعات، والتي كانت تمتلئ بالأدلة والبراهين وخاصة الدينية كتفسير آية، وشرح حديث.