وصف الكتاب:
إن "كتاب الخراج" "لأبي يوسف" من الأصول الفقهية الأولى التي تتناول الخراج، ولعل كتابته تتصل برغبة العباسيين في إظهار شيء مما بشّروا به أثناء الدعوة العباسية من العودة إلى الكتاب والسنّة، كما أن العباسيين حرصوا على كسب الفقهاء لجانبهم وتأييد سلطانهم بهم، ومن هنا كان طلب الرشيد من "أبي يوسف" قاضيه الأول أن يكتب له هذا الكتاب في الخراج. وهذا أول كتاب في الخراج وصل إلينا، وقد سبق إلى الكتابة في "الخراج" "أبو عبيد الله معاوية بن يسار وزير المهدي"، مما يشير إلى أهمية الخراج من جهة وإلى رغبة العباسيين في تناول مشاكله من جهة أخرى، ولم يصلنا هذا الكتاب بل مقتطفات قليلة منه في "كتاب الخراج" وصنعة الكتابة لقدامة بن جعفر، ولكن "معاوية بن يسار" من فئة الكتّاب، وهؤلاء ينطلقون من وجهة نظر إدارية عملية، في حين ينطلق "أبو يوسف" من وجهة نظر فقهية. ولم يتناول "أبو يوسف الخراج" من وجهة فقهية فحسب، بل درس الخراج في الواقع وحاول أن يحيط بأوضاعه العملية ومشاكله وبخاصة في السواد والجزيرة، وقدم لنا معلومات تاريخية دقيقة عن أوضاع الخراج وطرق جبايته ومشاكله في العصر العباسي الأول، وهي تمثل أقدم ما وصلنا من معلومات. وقد جاءت مصادر "أبي يوسف" متنوعة في كتابه، فقد أفاد من كتب الحديث إفادة واسعة، وأخذ عن بعض الصحابة والتابعين كما أخذ عن الفقهاء وبخاصة عن أستاذه "أبي حنيفة"، وسأل "أهل الخبرة"، وأفاد من خبرته واجتهد رأيه في كثير من الأمور، وأفاد "أبو يوسف" كثيراً من أصحاب المغازي، ومن إخباريين ورواة، وقدم معلومات تاريخية مبكرة. و"الخراج"؛ عند "أبي يوسف"، لا يعني ضريبة الأرض وحدها، بل مختلف الموارد المالية للدولة الإسلامية، وهو مصطلح استقر على هذا المفهوم في عصر "أبو يوسف"؛ ولكتاب "الخراج" ميزة أخرى، هي مقدمته التي تعتبر من أقدم النصوص في الفكر السياسي، إذ أراد بها نصح الرشيد وتذكيره بواجباته وبمسؤولياته تجاه الرعية، كما أشار إلى واجبات الرعية تجاه الخليفة، وهو هنا يورد الفقهي في أمور الخلافة، ولعل مقارنة ما أورده بما جاء في عهد "الوليد بن يزيد" كما أورده الطبري، من وجهة وبما جاء في رسالة الصحابة "لابن المقفع"، يظهر ذلك. إن أهمية "كتاب الخراج" "لأبي يوسف" تتجاوز هذه الملاحظات البسيطة، وقد نشر هذا الكتاب في عدة طبعات، ولكن هذه أول محاولة تتوفر أمام صاحبها أوسع مجموعة من مخطوطات "كتاب الخراج" إضافة إلى الطبعات التي صدرت له، ولذا يجيء النص بأوفى صور ممكنة له، وسيرى القارئ مدى الجهد الذي بذل في تحقيق النص، وهذا ما يبرر إعادة تحقيقه ونشره.