وصف الكتاب:
الحوار في المسألة الدينية تحيط به عوامل مختلفة، ولا يعتمد على الجانب العقلي وحده، فالبعض من الناس قد يتصور ببساطة أن المنطق والعقل كفيل بأن يحل أي نزاع في القضايا الدينية، عن طريق الدليل والبرهان بين الأديان أو المذاهب، وكذلك بين الأطياف داخل المذهب الواحد حينما تتعدد المدارس والتوجهات، البعض يقول مثلاً: نحتكم إلى الكتاب والسنة، وبالتالي لا بد وأن يقبل الآخر بالنتيجة، ويفوت هذا البعض بأن هناك اختلافاً في الفهم لنصوص الكتاب والسنة، ولكن الصحيح أن العقل هو بعد وجانب من المسألة الدينية، وهناك أبعاد أخرى غالباً ما يكون تأثيرها أكثر من الجانب العقلي، فهناك البعد النفسي، لأن الدين يتحول في أعماق نفس الإنسان إلى قضية ذاتية ترتبط بأحاسيسه ومشاعره، وتختلط بها، ولذلك فإن هذه المشاعر والأحاسيس لا تدع المجال للعقل دائماً لأن يفصل في المسألة الدينية، وإنما تتدخل لكي تشوش على عمل العقل ودوره بسبب انشداد الإنسان إلى الوضع الديني الذي تربى ونشأ عليه. وهناك بعد آخر هو البعد الاجتماعي، فالإنسان يعيش ضمن مجتمع ديني، المسلم يعيش ضمن مجتمع المسلمين، والمسيحي ينشأ ويتربى ضمن مجتمعه المسيحي؛ وهكذا الأمر بالنسبة للمذاهب، فالسني يعيش ضمن البيئة السنية والشيعي يعيش داخل بيئته الشيعية. لذلك فإنه في المسألة الدينية غالباً ما لا يكون التعامل مع الإنسان كفرد؛ بل مع بيئة اجتماعية كاملة. لأن الإنسان عادة لا يفكر في المسألة الدينية بمفرده: هل هي حق أم باطل؛ وإنما يأخذ بعين الاعتبار انتماءه الاجتماعي البيئي، ويكون هذا الانتماء مؤثراً وضاغطاً عليه، ولذلك نجد في القرآن الكريم أن الله سبحانه أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أن يدعو المشككين في رسالته إلى التأمل الانفرادي حتى لا يكونوا تحت سيطرة ما يطلق عليه حديثاً العقل الجمعي. يقول تعالى: (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم بجنة). والنبي صلى الله عليه وسلم هنا يطلب منهم ن يقوم كل شخص بمفرده، وينزوي عن جماعته وبيئته ويتفكر في الأمر بموضوعية بعيداً عن تأثير العقل الجمعي. وهذا أمر صعب على أكثر الناس، ولهذا فإن الحوار بين أتباع الأديان والمذاهب في الجانب الديني غالباً لا يوصل إلى نتيجة حاسمة؛ لأن المسألة ليست مسألة عقلية فقط، بحيث يوضح الدليل فلا يجد الطرف الآخر مفراً من الإيمان.