وصف الكتاب:
المقصود من القسم إذا كان لى ماضٍ، التحقيق سواء كان إثباتاً أو نفياً مثل: والله لقد دخلت الدار، أو والله مادخلت، وإن كان على مستقبل فالمقصود به الحث إن كان على ثبوت، والمنع إن كان على نفي، وأصل حروفه الباء الجارة لأن الفعل يظهر منها. نقول أقسم بالله وحلفت بالله. ولأن أفعال القسم كلها لازمة والباء هي المعدية لها إلى ما بعدها وأيضاً فإنها تدخل على كل محلوف به من ظاهر ومضمر، نحو: بالله لأفعلن وبك لأفعلن. كقول الشاعر: رأى برقاً فأوضع فوق بكرٍ / فلا وربك ما أسال ولا أناما. فـ بك في البيت قسم بالضمير وهو الكاف، والباء باء القسم وقد يحذف الفعل المتعلق بالقسم كما هذا البيت لكنه قليل والأكثر مجيئه بالفعل مظهراً ومما حمل على الحذف أيضاً قوله تعالى {وإذ قال لقمان لإبنه، وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } فقال بعضهم الوقف على لا تشرك وقوله بالله قسم على الجملة { إن الشرك لظلم عظيم }. وكذلك قوله تعالى: { إدع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الوجز }. قيل أن قوله { بما عهد عندك } قسم أن يعهده لئن كشفت عن الرجز لنؤمنن. وقوله تعالى { ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً }. قيل إن إبتداء الكلام بالله والمقسم عليه مابعده ويكون ذلك حكاية خلفهم، وأما الواو فإنها بدل من الباء لأنها أشبهتها من جهة أنهما من مخرج واحد وهو الشفتان، ولأن الباء تفيد الإلصاق والواو تفيد الجمع وهو نوع من الإلصاق فلما كانت فرعاً عنها أغطت عن رتبتها من ثلاثة أوجه. أحدها: أن الفعل لا يظهر منها لما تقدم من أفعال القسم كلها لازمة، وإنما يصل إلى ما بعدها بالياء التي تفيد ذلك والواو ليس لها هذه الرتبة. والثاني أنها لا تدخل إلا على الظاهر دون المضمر لأن الأضمار يرد الأشياء إلى أصولها ألا ترى أنك تقول أعطيتكم درهماً فتحذف الواو وتسكن الميم تخفيفاً فإذا أضمرت المفعول قلت أعطيتكموه فترد الواو لأجل إتصال الفعل بالمضمر. والثالث أن الواو لا تجيء في السؤال المراد به معنى القسم مجيء الباء مثل: بالله إلا فعلت وبالله لا تفعل. هذا وإن القسم شيء عظيم وقد ورد في القرآن العظيم مرات كثيرة ، وتنوع متناولاً أشياء لافتة للنظر ولها معانٍ وفوائد حجة أوضحها الله تعالى في محكم آياته. من هنا يأتي هذا الكتاب في هذا الموضوع الذي يبين المؤلف من خلاله معنى القسم وحروفه ودلالته والأشياء التي أقسم بها المولى عزّ وجلّ بها.