وصف الكتاب:
للسومريين دور بارز في تاريخ الشرق الأدنى. فهم الذين أنشأوا الحضارة البارعة الفعالة التي سادته في الألف الثالث ق.م أم الحضارات وبانية العمران. وهم الذين أبدعوا الكتابة المسمارية، وأوجدوا نصيباً صالحاً من الأدب الخالد والآراء الدينية والروحية الفذة. هذا أو أمثاله اقتبسه البابليون والآشوريون، وعن طريقهم وصل إلى فينيقية وسورية وفلسطين. وغدت اللغة الأكدية، وهي البابلية، مكتوبة بالمسمارية، وكاملة الانتشار في جميع أجزاء غربي آسيا. وفيها دوّنت رسائل العمارنة التي بعث بها ملوك فينيقية إلى فراعنة مصر. وانتقل الإله السومري تموز، فبات أشهر آلهة الفينيقيين. وتسرب قصص الخلق وأحداث الطوفان وجنة عدن إلى البابليين. هذا غيض من فيض عطاء هذا الشعب للإنسانية جمعاء. وهو بلغة ولفيفة كان فاتحة المدن البشري، والأصل الأصيل لكل حضارة بشرية في المعمورة. وهو ما دفع المجتمعات الإنسانية المتعددة إلى دراسة تاريخ السومريين، والنظر في معالم حضارتهم، وتتبع آثارهم ومخلفاتهم، والتأمل في آدابهم وآرائهم الدينية والروحية، والاعراب عن ذلك جميعه في أسفار شتى لم يقتصر صدورها على وطن واحد أو أمة. ومن بين تلك المصنفات العلمية التاريخية المتفاوتة عمقاً وأصالة المتباينة حجماً وقيمة، يطل علينا هذا الكتاب المنفرد في بحوثه، والمتمكن في منزلته، إنه الحضارة السومرية للباحث العالم جاك بيرين وفيه دوّن آراء الصابئة شارحاً تاريخ السومريون؛ فتراه وهو المؤرخ الضليع، لا تفوته نظرات سواه، بل يعود إليها، ويتوقف عند المشهور منها، مسترفداً وقابساً. ويدخل عالم الآثار، فينشر في كتابه رسوماً عديدة مهمة تصور مناحي مختلفة من تلك الحضارة السومرية، وتكاد تحييها أمام الأنظار. ويغوص في التاريخ ليعود منه بزاد نمير يشرح تفسيره لذلك العمران، ويؤدي آراءه ويدعم استنتاجاته. ولما كانت الجغرافية توجه التاريخ، وترعى انبثاقه، فقد استهلّ كتابه بالنظر إلى بلاد ما بين النهرين وبعد ذلك انتقل إلى الحديث عن دور الدين والفن لدى السومريين وإذ يتناول أصل السومريين يرى من المحتمل أن يكونوا أتوا من هضاب إيران. ويشير إلى تعاصر الحضارات الثلاثة: السومرية والمصرية والهندية. ويتوقف عن نظام المدن وتشكيل البرجوازية الحضرية. ويشرح بالتفصيل أعمال كل من الشخصيات الرئيسية كالملك والملكة والمعبد، ثم الفلاحون والصناعيون. ويؤرخ لقيام الملكية ونشوء المساواة المدنية. ويبحث في أساس عمل حمورابي فيجده في القوانين السومرية. ويرسم تطور امبراطورية سرجون وصلتها بالسومريين. هذه الآراء الناضجة وتفريعاتها الخصبة، ومثيلاتها، يعرضها المؤلف بالتفصيل، متوقفاً عند نظرة السومريين، ونشاطهم التجاري، وصلاتهم بالأكديين، على الخصوص، ومرافقاً لهم في حياتهم الاجتماعية، غير ساه عن منزلة الأدب السومري. ويمتد به البحث فيكمله بالكلام على تدمير الغوطيين لامبراطورية سارجون، وملكية الحق الإلهى في لجش، في عهد الملك غودايا. ويتبين له من مجمل ما قرأ أن الحضارة السومرية قد بلغت أوجها في عهد السلالة الثالثة لمدينة أور. ويكشف عن خشونة القانون السومري في بعض جوانبه. تلك بعض الآراء التي جاء نابها هذا الكتاب.