وصف الكتاب:
ليست البنيوية فلسفة؛ لكنها طريقة في الرؤية ومنهج في معاينة الوجود، ولأنها كذلك فهي تثوير جذري للفكر وعلاقته بالعالم وموقعه منه وبإزائه. في اللغة، لا تغير البنيوية اللغة؛ وفي المجتمع، لا تغير البنيوية المجتمع؛ وفي الشعر، لا تغير البنيوية الشعر؛ لكنها، بصرامتها وإصرارها على الإكتناء المتعمق، والإدراك متعدد الأبعاد، والغوص على المكونات الفعلية للشيء والعلاقات التي تنشأ بين هذه المكونات، تغير الفكر المعاين للغة والمجتمع والشعر وتحوَّله إلى فكر متسائل، قلق، متوثب، مكتنهٍ، متقصٍّ، فكر جدلي شمولي في رهافة الفكر الخالق وعلى مستواه من إكتمال التصور والإبداع. ولأنها كذلك تصبح البنيوية ثالث حركات ثلاث في تاريخ الفكر الحديث يستحيل بعدها أن نرى العالم ونعاينه كما كان الفكر السابق علينا يرى العالم ويعاينه، مع ماركس ومفهومي الجدلية والصراع الطبقي، بشكل خاص، أصبح محالاً أن نعاين المجتمع كما كان يعاينه الذين سبقوا ماركس. ومع الفن الحديث، وبعد أن رسم بيكاسو كراسيه - كما يعبر روجيه غارودي - أصبح محالاً أنْ نرى كرسيّاً كما كان يراه الذين سبقوا بيكاسو. ومع البنيوية ومفاهيم التزامن، والثنائيات الضدية، والإصرار على أنّ العلاقات بين العلامات، لا العلامات نفسها، هي التي تعني، أصبح محالاً أن نعاين الوجود الإنسان والثقافة والطبيعة كما كان يعاينه الذين سبقوا البنيوية.