وصف الكتاب:
لم يستخدم الشعر العربي الحديث في بعض نماذجه التي تناولها البحث، الرمز الديني المقدس بشكل عابر أو بسيط، بل صهر هذه الرموز ضمن حدس واع يتوسد الرؤيا الاستشرافية والاستيعاب النقدي للماضي، ولعل من هنا، ارتبط الشعر بالنبوءة، لأنه كالنبوءة، قوامه الرؤيا التي تنفذ عبر مظاهر الواقع إلى الحقائق الجوهرية للوجود، وتعبر عن نفسها تعبيراً مجازياً يصل ذروته بالنموذج الأصلي والقصص الأسطورية. انقلبت المعادلة مع الشعر الحداثي بين: الإلهي /المقدس والشعري/ الإنساني، وانفلت الشاعر من سطوة النص الإلهي وسلطته، وتعامل معه بحرية، بل حاول إنتاج نص شعري مواز لهذا النص الإلهي، يعكس فيه آلام الإنسان، وعذابه الوجودي، واحتجاجاته الأخلاقية على الظلم والاضطهاد. سعى الشاعر الحديث جاهداً -من خلال بناء عالم قصيدته- إلى أن يكون مركزها الإنسان/ الإله المتعين، وسعى للتعبير عن وضعه المأساوي السوداوي إزاء اشتراطات اجتماعية وسياسية قاسية، وللتعبير عن غربته وضياعه في هذا العالم، فبعد أن كانت القصيدة في السابق تتمحور حول "الأعلى" وتدور في فلكه، أو تهرب من الواقع نحو الطبيعة والسكينة والرتابة، جاء الشاعر الحديث ليعكس الاتجاه، وبدل أن يتجه من الأسفل إلى الأعلى، أو من الذات إلى الأمام- الوراء، بات الاتجاه من الأعلى إلى الأسفل، ومن الأمام إلى الذات- الـ "نحن".