وصف الكتاب:
"إلى الذين يبرّح بهم الحنين إلى أوطانهم، في كل منافي العالم" تقدم الباحثة كتابها هذا، والذي يحتوي دراسة جديرة بالقراءة عن حالة شعرية خاصة وهي الحنين إلى الوطن، والتي كانت المحرّك والدافع لدى الكثير من الشعراء العراقيين الذين "طالت غربتهم ولا سبيل إلى أوطانهم". "شعر الغربة والحنين لون قديم من ألوان التعبير"، و"له قيمة تكمن بما يحويه من قيم الخلق الفني"، و"شعر الحنين صادق صادر من القلب، يصعب جداً أن يكون الشاعر فيه كاذباً أو منافق أو مراوغاً"، لكل هذه الأسباب وغيرها اختارت الباحثة هذا الموضوع، فـ "إنه لأمر رائع أن يصدر الشعر من القلب إلى القلب. من الشاعر إلى متلقيه، وكأن رابطة روحية تقوم بينهما لا تنفصم". يقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام، "الحنين إلى الوطن في الشعر العربي" في فصله الأول ويتضمن تعريفاً بالحنين عامة وبالحنين إلى الوطن خاصة، وبحثاً في جذورهما ومنابعهما، وفيه بعض الشعر لشعراء جاهليين "فالبكاء على الأطلال ضرب من الحنين"، كما لشعراء العصور اللاحقة "كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل" كما يتحسر أبو تمام. "الحنين إلى الوطن في الشعر العراقي الحديث" نجده في الفصل الثاني، ويضم شعراً للشاعر الزهاوي: "إني على الأوطان أنفق مهجتي أما الدخيل فأي شيء ينفق"، وللرصافي: "تذكرت في أوطاني الأهل والصحبا فأرسلت دمعا فاض وابله سكبا"، وللشاعر النجفي: "روحي بأرض العراق عالقة والعقل سام عن أمدن المدن"، كما لغيرهم من شعراء المهجر. أما الفصل الثالث فقد خصصته الباحثة "للغربة والحنين في شعر عبد المحسن الكاظمي"، الذي كان أول المضطرين إلى مغادرة بلادههم نتيجة اضطهاد السلطة العثمانية له فاستوطن مصر، لكنه بقي يجيب" فقلت له والدمع مني مطلق أسير وقلبي بالعراق أسير"، و"حنيناً إلى أرض حييت بتربها وياليتني في ذلك التراب أقبر". "ومهما كانت قساوة غربة الشعراء القدامى فانها لم تبلغ ما بلغه شعراء العصر الحديث، ولا سيما الشعراء العراقيون المحدثون الذين عانى قسم كبير منهم العذاب والنفي والفراق والاضطهاد الجسدي والروحي والنفسي". يحمل هذا الكتاب للقارئ دراسة ممتعة ونادرة تمسّ الوجدان، فالحنين موضوع حساس ورحب، فيه تفيض روح الشاعر بما يعتريها من أحاسيس اللوعة والشوق والحب والحرمان، فتخرج شعراً جميلاً وصادقاً وحارقاً وذو دلالات.