وصف الكتاب:
تظل رؤية الإنسان وحكمه على الوقائع والأحداث، ومهما حاول أن يتجرد من ذاته، أسيرة لما يكتنزه عقله من خبرات وما اكتسبه من مهارات وما اطلع عليه من ثقافة أو فنون. والمرء في كل الأحوال محكوم بمحدداته الذاتية التي اختارها لنفسه في حكمه على الأشياء أو منقاد إلى اختياراته الأيديولوجية أو إلى تصوراته ومفاهيمه المسبقة. ولما كان القائمون على صناعة الأخبار هم أبناء بيئاتهم ومجتمعاتهم بمكوناتها الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن صياغتهم الإخبارية للأحداث لا يمكن لها أن تتم إلا من خلال مرشحاتهم التحيزية تلك، وهو الأمر الذي يدفع الكثير من رجال الإعلام إلى القول بأن الموضوعية هي أسطورة نسعى لها. ومن هنا فإن الأخبار أو المعلومات تمر بما يمكن أن نسميه مجازاً بصناعة الأخبار، وهي الصناعة التي تجعل الأخبار وظيفة سياسية ونفسية تؤديها للتأثير بالمتلقي وتجعله مهيئاً للاستجابة الذهنية إليها والإيمان بها أو تحويله للانتباه إلى ما يريده المرسل منها عن طريق الصياغة اللفظية المشحونة بالانفعالات والرموز والمعاني المحولة. ووسائل الإعلام الحديثة وقد أمدها التطور التكنولوجي بقدرات لم تكن معروفة من قبل في رصد وملاحقة ونقل الأحداث أولاً بأول لم تعد تكتفي بمجرد التقاط الأحداث أو نقل المعلومات أو الحقائق عنها، وإنما وجدت أنها تستطيع عن طريق التعاون مختبرياً مع الأخبار وذلك بإخضاعها إلى مناهج علم النفس والاجتماع والاتصال والسياسة، التكهن بآثارها النفسية وبالتالي استنتاج ما يمكن أن تؤثر به عمليات التحرير المختلفة التي تخضع لها الأخبار على اتجاهات الرأي إزاء مواقف دون أخرى.