وصف الكتاب:
كتب ابن الخطيب كتابه هذا "الكتيبة الكامنة..." وهو في سن عالية، كان حينها قد تخلى عن الحياة السياسية واستكمل دوره. والكتاب في صورته العامة "تقرير" يقدمه ابن الخطيب إلى المشارقة معرفاً بشعراء الأندلس المعاصرين حيث يقول: "جمعت في هذا الكتاب جملة وافرة، وكتيبة ظافرة، ممن لقيناه في بلدنا الذي طوينا جديد العمر في ظله، وطاردنا قنائص الآمال في حرمه وحله ما بين من تلقينا إفادته، أو أكرمنا وفادته، وبين من علمناه، وخرجناه، ورشحناه، ودرجناه، ومن اصطفيناه ورعيناه، فما أضعناه". وفي هذه النية غرض كامن، تدل عليه هذه الكلمات المقتبسة، وذلك أن الكتاب شهادة لابن الخطيب نفسه، بما كان له من مكانة وما أثار من نشاط أدبي، وما أفاض على غيره من فضل، إذ يكاد يكون محور هذا الكتاب هو ابن الخطيب نفسه، ممدوحاً أو متفضلاً أو مثيراً إلى القول أو مواجهاً بنكران جميل. هذا وإن كتاب الكتيبة يمثل جانباً من جهد ابن الخطيب في تراجم الشعراء وإيراد نماذج من أشعارهم، وهو يعتمد الشجع، محاكاة لما صنعه الفتح ابن خاقان في "القلائد والمطمحين". وإذا كان الكتاب، لقيامه على السجع، قليل الفائدة من الناحية التاريخية الإخبارية، إلا أنه يقدم للقارئ صورة عن جانب من الحياة الأدبية في القرن الثامن بالأندلس، وعن الاتجاهات التي كان الشعر يسلكها حينئذ. وقد ترجم ابن الخطيب منه لثلاثة أشخاص ومائة جعلهم من قسمين كبيرين: الذين قضوا نحبهم قبل تأليف الكتاب، والذين كانوا ما يزالون على قيد الحياة عند تأليفه. وفي هذه القسمة شيء من التجوز فإن بعض الذين ترجم لهم في القسم الأول عاشوا بعد وفاة الخطيب نفسه مثل القاضي النباهي. ثم قسم المترجمين حسب ما غلب على كل واحد منهم فجاؤوا في الطبقات الآتية: 1-طبقة الخطباء والصوفية، 2-طبقة المقرئين والمدرسين، 3-طبقة القضاة، 4-طبقة من خدم أبواب الأمراء من الكتاب والشعراء. وليس يستقل كتاب الكتيبة الكامنة بإعطاء صورة عن الأدب الأندلسي حينئذ لأنه ليس إلا حلقة واحدة من عدة حلقات إذا جمعت تكاملت جوانب الصورة وأصبحت أتمّ وأوضح، ومن تلك الحلقات مؤلفات لسان الدين الأخرى كالتاج والإكليل والنقابة والإحاطة وعائد الصلة ونفاضة الجراب. والكتاب هو الثامن في سلسلة المكتبة الأندلسية، وهو مقدم للقراء والباحثين المهتمين بنشر هذه الأصول، وبإخراج هذا التراث الثرّ الغني بمادته وبأدبياته.