وصف الكتاب:
أحمدك الله ربي حمداً يليق بجلالك وأصلي على خير خلقتك محمد وأطلب منك العون والتسديد والهدى. وبعد: جاء الإسلام ليحكم شؤون الحياة كلها، صغيرها وكبيرها، وقد طبقه المسلمون كما فهموه في سائر الجوانب الحياتية، من جنايات، ومال، وزواج، وعلاقات دولية، واقتصاد وغير ذلك، وقد صنفت الكتب الفقهية، التي تعالج هذه المسائل على مر العصور، وكانت تلك المؤلفات مقسمة إلى أبواب أو إلى ما كانوا يسمونه كتباً، فيقولون: كتاب الزكاة، وكتاب الجهاد وكتاب الحدود وما إلى ذلك. وبقي الأمر على ما هو عليه، إلى أن بدأ الضعف والخلل يتسللان إلى جسم الدولة الإسلامية العثمانية، نتيجة لعدم فهم الإسلام، وسوء تطبيقه ونتيجة للغزو الفكري الجارف، الذي اجتاح الدولة الإسلامية والمسلمين فيها، إثر الثورة الصناعية في الغرب، خاصة وأن أبناء المسلمين كانوا يخرجون للتعلم في أوروبا، دون أن يكون لديهم حصيلة في العقيدة، ورصيد من الفكر ومخزون من الإيمان. فلما رأوا النهضة في أوروبا بهروا بها، واختلطت الرؤى في أعينهم، فلم يعودوا يميزون بين العلم والثقافة، ولا بين الحضارة والمدنية، وأصبحوا يقيسون بلاد الإسلام على الغرب. فالغربيون عندما نبذوا الدين ورجاله، الذين هم سر تخلفهم، نهضوا نهضة عظيمة، ولكي ينهض المسلمون في الشرق لابد أن يحذوا حذو أوروبا ويفعلوا ما فعلت، وركز هذا التصور في أذهان أبناء المسلمين الدارسين هناك بخبث ودهاء نادرين، وصرفت أذهانهم بأنه لا وسيلة ولا مفر من تقليد الغرب في نبذ الدين للتوصل إلى النهضة، ولقي هذا التركيز ثماره لأن الشباب المسلم الذي كان يدرس هناك، كان خالي الوفاض من العناصر التي تؤهله للثبات، وللتمييز بين الغث والسمين، وبين ما يصح وما لا يصح، وبذلك وقع في حبائل الأعداء. وأصبح ينقل وجهات نظرهم، وتصورهم للحياة، إثر عودته لبلاد المسلمين.