وصف الكتاب:
إن تنصيب القضاة للحكم بين الناس، وإقامة العدل بينهم من الضروريات، فالناس في هذه الحياة الدنيا، ليسوا على نمط واحد من التدين والعقول، وخلال حياتهم وتعاملهم تختلف آراؤهم، وتقديراتهم لأمور وأشياء، تبعاً لإختلاف مشاربهم، وأهوائهم وتطلعاتهم، وفيهم القوي والضعيف، فتقع الخصومات بينهم. لذا كان لا بد من إنصاف المظلوم من الظالم، وأخذ الحق للضعيف من القوي، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق القضاء العادل، الذي يحكم بين الناس، وفق أصول المحاكمات الشرعية التي حددتها الشريعة الإسلامية، هذا بالإضافة إلى ما يوكل إلى القضاء النظر فيه، وتطبيق الأحكام الشرعية بشأنه، كإقامة الحدود الشرعية، وتقسيم التركات حسب فريضة الميراث، ومحاسبة الأوصياء، والنظر في الأوقاف وغير ذلك. لذا كان تتصيب القاضي من ضروريات الحياة، وفريضته شرعية لتحقيق مقاصد الشريعة، حيث أن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد ولا تعدو ثلاثة أقسام: أحدها أن تكون ضرورية، والثاني أن تكون حاجية والثالث: أن تكون تحسينية، وقد توالى تنصيب القضاة في عصر الخلفاء الراشدين، وفي العصور الإسلامية اللاحقة وإلى عصرنا هذا، واجتهد القضاة في أحكامهم على مر العصور فيما لا نص فيه من كتاب أو سنة، وفيما لم يرد فيه إجماع، معتمدين في ذلك الأصول الشرعية للإجتهاد، وأضيف ما توصلوا إليه إلى ثروة الفقه القضائي، المبسوطة في المصادر الفقهية. من هنا، وقع إختيار المؤلف على هذا الموضوع وهو "أصول المحاكمات الشرعية" ويردّ ذلك إلى ثلاثة أسباب: أولاً: أهمية هذا الموضوع في الشريعة الإسلامية، وتعلقه المباشر بحياة الناس، وإقامة العدل بينهم، ثانياً: بيان الأحكام المتعلقة به وجمعها في كتاب بجميع أدب القضاء، وأصول المحاكمات الشرعية، لبيان الحق في عدالة التشريع الإسلامي، وهذه العدالة التي لا يمكن أن يضاهيها، أو قياس بها ما بني على إجتهاد البشر في قوانينهم الوضعية، ثالثاً تعلق الموضوع بعمل المؤلف كقاضٍ شرعي. وجاء عمله في هذا الكتاب على النحو التالي جمع مختلف ما كتب في أدب القضاء، وأصول المحاكمات الشرعية، ثم تنظيم مسائله، وصياغة ذلك بأسلوب موضوعي واضح، يتفق وروح العصر، دون الإخلال بقواعد الشريعة ومناهجها، وترجيح ما يحتاج إلى ترجيح في موضوع البحث، حسب قوة الدليل، ومراعاة العصر، والواقع المعاش، والإستعانة بكتاب الله عزّ وجلّ، وكتب التفسير، والحديث، وأصول الفقه، واللغة، وكتب السير، والكتب الفقهية العامة، والكتب المخصصة في هذا الموضوع، والقديم منها على وجه الخصوص. وقد جاء الكتاب ضمن تمهيد وفصول أربعة تناولت المحاور التالية: في التمهيد: تعريف القضاء ومشروعيته ودراسة تاريخية للقضاء والمحاكمات، ودار الفصل الأول حول القاضي، صفاته شروط توليته، الآداب التي يجب إتصافه بها... أما الفصلل الثاني فقد تم فيه تناول فيما يتعلق بالمدعي وأنواع الدعاوى وشروطها ومحلها في التطبيق القضائي، وأما ما يخص المدّعى عليه فقد جاء الحديث عنه في الفصل من حيث ما يتعلق به ودعوته للمحاكمة والتطبيق القضائي وتم تخصيص الفصل الرابع للحديث عن الإقرار ومتعلقاً به من حيث أركانه وشروطه وما يتكون به الإقرار وإستثناءاته وحكمه ومبطلاته وأصول الإقرار العامة.