وصف الكتاب:
أول من فطن إلى كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيرزي هو الدكتور فالتر برناور، أمين المكتبة الإمبراطورية بمدينة فينا، وذلك في أثناء دراسته لنظام الشرطة عند العرب والفرس والترك، إذ كتب سنة 1860م في ذلك الموضوع بحثاً تعرض فيه للحسبة، وأبتعه بترجمة تلخيصية لهذا الكتاب الذي تخرجه لجنة التأليف والترجمة والنشر في مطبوعاتها هذا العام. وترجع أهمية الكتاب -بالقياس إلى غيره من الكتب التي الفت في الحسبة- لعدة ميزات: منها أن مؤلفه أسبق المؤلفين في موضوع الحسبة من الناحية العلمية في الشرق الإسلامي، إذ عاش في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، ولم يتناول ذلك الموضوع قبله إلا أفراد قلائل، مثل الماوردي المتوفي سنة 450هـ (1058م) في كتاب "الأحكام السلطانية"، والغزالي المتوفي سنة 505هـ (1111م) في كتابه "إحياء علوم الدين"، وكلاهما تغلب على كتابته الصفة الفقهية البحتة. ومنها أن هذا الكتاب صار فيما بعد أساساً لما كتبه ابن الأخوة وابن بسام وغيرهما في الحسبة، أما ابن الأخوة المتوفي سنة 729هـ (1338م)، فإنه ألف كتابه المسمى " معالم القربة في أحكام الحسبة" في سبعين باباً، وقد دلت المقارنة على وجود تشابه كبير بينه وبين كتاب الشيرزي، مما بينه المستشرق الإنجليزي روبن ليفي، في حواشيه لكتاب ابن الأخوة. وأما "كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة" لابن بسام الذي عاش في مصر في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، فيبدو كذلك أن معظمه منقول من كتاب الشيزري، إذ أنه فضلاً عن اتفاقه مع كتاب الشيزري في العنوان، فإن مقدمتهما واحدة، وذلك باعراف ابن بسام نفسه، بل يبدو أن ابن بسام أخذ تأليف الشيزري فنسبه إلى نفسه عنواناً ومتناً، بعد أن أضاف إليه أبواباً متعددة، مما جعلها تبلغ أربعة عشر ومائة باباً، على حين أن كتاب الشيزري في أربعين باباً فقط. ولقد حدا هذا التشابه المادى بالدكتور برناور إلى القول بأن هذه الكتب الثلاثة ليست إلا كتاباً واحداً، تناوله مؤلفون مختلفون بزيادات وتعديلات، بحسب البلاد والأزمنة التي عاشوا فيها، أي أن كتاب الشيزري أصل لكتاب ابن الأخوة وابن بسام، أو لأحدهما على ألصل، وذلك لأسبقيته الزمنية، ولاتفاق الكتابين المتأخرين معه إلى درجة كبيرة في الموضوعات والأبواب والفصول، وفي عرضها أيضاً، يضاف إلى ذلك أن معظم الكتب التي ألفت في وصف المجتمع المصري مثلاً في عصر سلاطين المماليك استمدت من الشيزري، مباشرة أو من طريق غير مباشر، والبينة على تلك الدعوى واضحة من مقارنة ما جاء بكتاب المدخل لابن الحاج، فيما يتعلق بالقصارين والبزازين ومؤدبي الصبيان، بما جاء بالمتن هنا في الباب الحادي والعشرين والرابع والعشرين والثامن والثلاثين، مما يرجح أن كتاب الشيزري هو الأصل على وجه الإطلاق لجميع ما كتب في الحسبة وما يتعلق بها في الدولة الإسلامية عموماً. وثمت ميزة أخرى لهذا الكتاب تميزه في الواقع عن جميع الكتب التي وضعت في الحسبة، وهي الإسهاب في شرح غشوش العقاقير، ووصف فروع الطب المختلفة، ثم الاهتمام بمراقبة أهل الذمة وحركات الباطنية. وربما كانت علة هذا الاهتمام أن عصر المؤلف -وهو القرن السادس الهجري- كان عصر إحياء السنة، وقد تخللته المنازعات بين السنة والشيعة في كثير من جهات العالم الإسلامي، فضلاً عن مصر، ونشبت الحروب الصليبية في أثنائه، فأصبح يخشى من ممالأة الذمميين في البلاد الإسلامية للصليبيين، سما وأن أرباب الحرف والصنائع كان أكثرهم من أهل الذمة على أن الذي يدعو إلى الالتفات هنا أن أمور الباطنية وحركاتها كانت داخلة في أعمال المحتسب، وتلك مسألة ذات أهمية في البحث في أصل الحسبة ونشأتها في الدولة الإسلامية. يضاف إلى ذلك ميزة لا تقل عما سبق، وهي كثرة النسخ الخطية الموجودة من هذا الكتاب، إذ يبلغ عددها أربع عشرة نسخة، اجتمع منها في مصر ثمان، والنسخ الأخرى محفوظة بمختلف دور الكتب الأجنبية.