وصف الكتاب:
تؤثر بصدد الحديث حول عصر التفوق العربي بالأندلس، أقوال لبعض المفكرين المسيحيين آنئذ ينعون على بعض إخوانهم في الدين، ولوعهم بتعلم العربية، وشغلهم بالفكر والثقافة العربيين، وما أنجز من ذلك من إهمالهم للغة العربية اللاتينية، وضعف معرفتهم بها ضعفا، لم يفتأ يتزايد – ساعتها – باطراد، حتى قيل انه لم يعد يوجد بين المسيحيين في تلك الحقبة من يستطيع قراءة الشروح اللاتينية على الإنجيل، إلا الخاصة من علماء الدين، في حين، أن الكثير من المسيحيين كانوا على درجة بالغة من الإلمام بلغة العرب، بل ولم يكن قليل، أولئك البارعين منهم في قرض الشعر بها وإجادته. وتعكس هذه الملاحظة سعة المستوى الذي بلغته، في خلال الظرف، حركية التفاعل العربي الأوربي على صعيد الثقافة والفكر، وقد كانت الأندلس – كما يعلم – مجالا ممتازا لارتكاز هذه الفاعلية، وخصوبة أثرها، إلا أن العدوة الإبيرية لم تكن – كما يعلم الأمر كذلك – إلا أحد المحاور المهمة في رقعة ذلك التفاعل الذي شمل في عمومه منطقة شاسعة من العالم المعروف آنئذ عبر الضفتين الإفريقية والأوروبية للبحر المتوسط، والمناطق المتصلة بهما في الشرق الأدنى وآسيا الصغرى، ولم يكن الإقبال على العربية من طرف المسيحيين في إسبانيا، إلا مظهرا واحدا من مظاهر التحويل الذي ساعدت عليه المدنية العربية الإسلامية في عدة مجتمعات أوروبية، مؤثرة بمعطياتها الفكرية والعلمية والتنظيمية في تكييف كثير من الأفكار والمفهومات والمقاييس السائدة في المناخ الفكري الأوربي، ومرهصة في نطاق ذلك – بانفتاح الآفاق التي التمعت خلالها الومضات الأولى للتطور الحضاري الحديث.