وصف الكتاب:
هذه الدراسة تهدف إلى الكشف عن حقيقة معنى من المعاني المعدودة في جملة الأصول التي بنيت الشريعة الإسلامية عليها، وهو "الاحتياط"، ونظراً لسعة هذا المعنى وانتشاره في سائر أنحاء التشريع الإسلامي، وتأثيره الظاهر في كل جوانبه، لم يكن بد من التعامل معه على أساس أنه يشكل نظرية بمعناها العلمي المعاصر. وقد استهلت الدراسة بمحاولة تحديد مفهوم واضح للاحتياط يشمل كل أنواعه وأقسامه التي يكثر ذكرها على ألسنة العلماء، وخلصت إلى أن أقرب تعريف له، هو أن "الاحتياط: -وظيفة شرعية تحول دون مخالفة تكاليف الشارع وأوامره عند العجز عن معرفة حكمه على وجه اليقين أو الظن المعتبر"، ولما كان بناء المفهوم لا يكتمل إلا بذكر مظاهره وآثاره، فقد عرجت الدراسة على ذكر أبرز مظاهر اعتبار الاحتياط في التشريع الإسلامي، وأهم المقاصد التي تتغيا من وراء الأخذ به. وتبين من خلال الدراسة أن "الاحتياط" لا يكون من المسالك المعتبرة لدى الشارع إلا إذا استجمع جملة من المقومات، وهي: الاستناد إلى أصل، وقيام الشبهة المعتبرة، وانتقاء المدرك الذي يمكن التعويل عليه عند حصول الاشتباه والعجز عن معرفة حكم الشارع في المسألة. وتناولت الدراسة بالكشف والبيان أبرز المعاني التي يمكن أن تكون من مناشئ الشكوك المعتبرة في إثارة الاشتباه، والإلجاء إلى الأخذ بالحيطة والحزم، وتبين أن متعلق هذه المعاني ثلاثة أمور، وهي: الشك في أصل الحكم، والشك في واقع الحكم ومناطه، والشك في مآل الحكم ومنتهاه، ولكل متعلق مثارات وأسباب مختلفة، أتت الدراسة على ذكرها تفصيلاً، لأهميتها وموقعها في فهم الموضوع. ثم تطرقت إلى المسالك التي تمثل الاحتياط في واقع التشريع العملي، وهي عبارة عن مناهج احترازية، يسلكها المجتهد في مقام الاستنباط، ويأوي إليها المكلف في مقام الامتثال، وقد أدرك البحث سبعة منها، وهي: البناء على اليقين، والتقدير والانعطاف، والتوقف والامتناع، وترك التوسع في المباح، والخروج من الخلاف، وترك الرخص غير المقطوع بها، والأخذ بالأشد أو بالأكثر. وبعد ذلك كشفت الدراسة عن حقيقة ثابتة، وهي أن العمل بالاحتياط محل إجماع بين العلماء، وأن الخلاف الذي توهمه البعض في ذلك خلاف زائف لا وجود له، وأن غاية النزاع الواقع في ذلك، إنما هو خلاف في بعض التفاصيل لاعتبارات اجتهادية مختلفة، ولا يرتد على أصل المعنى بحال. ولكون الاحتياط معدوداً من أقسام الاجتهاد بمفهومه العام، فقد كان لزاماً أن يقيد بجملة من المعاني والضوابط التي تخدم العمل به وتوجهه بما يحقق الغاية من انتهاجه، ويحفظ العامل به من مظاهر الزيغ والخلل، وقد أتت الدراسة على ذكر جملة من الشروط والموجهات التي أوردها العلماء للعمل بهذا المسلك الاحترازي، وغدت معالم لا مناص من الأخذ بها، والالتفات إليها. وفي الفصل الأخير، قامت الدراسة بالكشف عن جملة من القواعد الأصولية والفقهية المتقررة عن معنى الاحتياط والصادرة عنه، حيث أوضحت أهم ما أدركه البحث من هذه القواعد، وأظهرت موقعها من "الاحتياط"، وعلاقتها به، وأثرها في توجيهه، وثنت ذلك بذكر جملة من مسائل الفروع العملية التي كان للاحتياط أثر ظاهر في تقرير أحكامها عند بعض الفقهاء، معتمدة في ذلك مبدأ الانتقاء والتنويع، بغية إعطاء صورة متكاملة للقارئ عن أثر الاحتياط في مختلف أنحاء التشريع.