وصف الكتاب:
هذا بحث تعريفي شامل لمصنف و رحالة و شاعر من العصر الموحدي في الأندلس، هو علي بن موسى بن سعيد المتوفي سنة 685هـ/1285م. و الهدف من هذا البحث، الذي ألم بمختلف الجوانب الشخصية و العلمية عند ابن سعيد. حيث يتضمن هذا العمل التواصل بين المغرب و المشرق بأكثر من لحظة وفي أكثر من مظهر، و ذلك بالرغم من التباعد الذي فرضته حتميات الجغرافيا من جهة و تدخلات الأيادي الأجنبية المتمثلة في الاستعمار من جهة أخرى. فالتفاعل بين جناحي الوطن العربي قائما و مستمرا و محافظا على طابعه الديني و الثقافي، بدليل أن المغرب العربي تجاوب و بقوة مع التيارات المشرقية الداعية إلى إصلاح الدين و تطهيره، و لعل احتضان المغرب للحركة الوهابية و اعتماده لطرق تفكيرها و كذلك مساندته لزعماء الإصلاح المشارقة أعظم دليل على ذلك. إن التأكيد على ضرورة التسليم بوجود وحدة تاريخية و ثقافية للوطن العربي بأكمله لا يستدعي التسليم أيضا باستحالة الفصل بين المشرق و المغرب. و هذا إذا بحثا في عمق العلاقة التي تربط "الجناحين" سواء تعلق الأمر بمظاهر وحدتهما و تجانسهما من خلال الثوابت الدالة على ذلك أم من خلال العلامات الدالة على خصوصية تطور كل طرف و المؤشرات و المعالم التي أفضت إلى تمييز المغرب عن المشرق، أو العكس. و هو تمييز إن سلمنا بوجوده لا يصل إلى مستوى الانقسام أو القطيعة. و إذا كان هناك من خلاصة ينبغي التركيز عليهما فهي أن الوطن العربي بشقيه المشرق و المغرب موحد في انتمائه الديني و القومي و إن كان المشرق في تجربته التاريخية مختلفا عن المغرب، و لكن من الضروري التأكيد مرة أخرى على أنه اختلاف تكامل لا تضاد و تناقض. لقد جمع الإسلام المغرب بالمشرق و إن كان هذا الأخير مهدا للدعوة الإسلامية و مقرا لحكم دولتها (الخلافة)، فإن ذلك لم يمنع المغرب من بناء صرح دولته و مجتمعه بمعطياته التاريخية و الجغرافيا و الاجتماعية. هذه الخصوصية بتعبير "الجابري" تلح على ضرورة القيام بدراسات جادة و أبحاث علمية عميقة كفيلة بإبراز و توضيح العلاقة بين المغرب و المشرق حتى نقف عند نقاط التكامل و التداخل أو القطيعة إن وجدت لنصل في الأخير إلى مقاربة علمية تلبس الخطاب العربي واقعية في النظر إلى قضاياه و مشاكله المستقبلية و حينها فقط يمكن تبني حلول جادة و موضوعية لمشاكلنا.