وصف الكتاب:
"في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر كانت الولايات المتحدة بلا سفير في اليمن، إذ غاورت بودين قبل أسبوعين من الهجمات، ولم يعين الكونغرس مرشح كلينتون للمنصب في اليمن بدلاً عنها، ولعدم وجود أحد يفسر سلوكه للإدارة الجديدة في واشنطن خشي صالح من أن الولايات المتحدة سوف تفعل شيئاً دراماتيكياً، إذ كانت طاحونة الإشاعات الدبلوماسية قد بدأت تدور فعلاً بأحاديث عن مشاحنات حادة بين المسؤولين الأميركيين وحلفاء أساسيين، فقال وزير خارجية بوش ريتشارد أرميتاج ذو الطبع المتنمر لقائد الإستخبارات الباكستانية: أن الولايات المتحدة سوف "تقصفها حتى تعود إلى العصر الحجري" إذا لم تتعاون، واقترح محللون آخرون في السي إن إن والأم إس أن بي سي أن اليمن هي الهدف التالي المنطقي بعد أفغانستان، وفجأة صارت تعليقات صالح على الجزيرة قبل أسبوع من الهجوم تبدو أكثر شراً، فآخر مرة صارع فيها الولايات المتحدة كانت في أثناء حرب الخليج عام 1990، وأركع اليمن يومها قطع المساعدات من قبل الولايات المتحدة، السعودية، والكويت، ولكن الولايات المتحدة كانت نتحدث عن الردود الإقتصادية هذه المرة، ولم يقدم صهر صالح ذو اللسان اللطيف، عبد الوهاب الهجري، سفير اليمن المُقَلل من شأنه في الولايات المتحدة، عوناً مفيداً، إذ كان جورج بوش غير قابل للتوقع، فيما مضى عليه أكثر من تسعة شهور في المنصب والولايات المتحدة لم تتعرض في يوم لهجوم كهذا. في الأيام القليلة المربكة بعد الهجمات مباشرة، نصح الهجري صالحاً بأن يقنع بوش بأن اليمن حليفةٌ في حرب أميركا الجديدة؛ "سوف أرسل إليك عبد الكريم" أخبر صالح صهره مشيراً إلى عبد الكريم الإرياني... أخبر صالح سفيره أن الإرياني سيجعل رسالة إلى الرئيس بوش... في 27 أيلول / سبتمبر وصل الإرياني إلى واشنطن ليوم بسلسلة من اللقاءات في وزارة الخارجية، وفي عصر ذلك اليوم، في وقت متأخر من مساء صنعاء، اتصل بصالح ليخبره أن كل شيء على ما يرام، فأخبر الإرياني الرئيس بأن حسابات اليمن قد تغيرت في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، إذ بعد إستجوابات القصع والبحري الناجمة، قدمت الأف بي آي تقارير تقول بأن اليمن تتعاون، والوكالات الأخرى راضية أيضاً، ليست اليمن هدفاً، هنأ الإرياني رئيسه... ولم كل من الولايات المتحدة واثقين إلى هذه الدرجة، فقد كان المحللون الإستخباراتيون في السي آي إي قلقين من أن ناشطي القاعدة موجودون أصلاً في اليمن، وعندما حط صالح في الولايات المتحدة في 25 تشرين الثاني / نوفمبر ليلتقي بوش، كان الخبراء قد جهزوا لائحة من الأسماء... وبعد أن جمع صالح كل مسؤوليه الأمنيين ومن جملتهم غالب القامش ربات مستعداً لعقد الصفقات، فالتقى جورج تينت في مقر إقامة اليمن في شمال غرب واشنطن في 26 تشرين الثاني / نوفمبر. لم يضيع مدير الإستخبارات كثيراً من الوقت، فقد أحضر معه قائمة الأسماء التي أعدها عملاؤه... حذر تينت: على هذا أن يتوقف،... ومن ثم توقف قليلاً، وأخرج اللائحة وسلمها إلى صالح مباشرة، ولم يفت معنى الحركة على أحد، أصبحت القامئة مسؤولية صالح، وهو من سيلام في حال ساءت الأمور. في قمة قائمة تينت كان أبو علي الحارثي، الرجل الذي أسس أول مخيمات تدريب للقاعدة في اليمن،... ووراءه مباشرة على القائمة محمد حمدي الأهدل وهو يمني آخر كبر في السعودية...، وبهذه الطريقة تستطيع اليمن أن تكون إلى جانب الولايات المتحدة، كما قال تينت لصالح. في اليوم التالي، كرر الرئيس بوش الرسالة ذاتها، وبعد وقت قصير من أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول في 20 سبتمبر عرض رؤيته للعالم... "أمام كل دولة، في كل منطقة، الآن خيار، إما أن تكون معنا، وأما أن تكون مع الإرهابيين"... وأعاد بوش الخيار لصالح في المكتب البيضاوي في 27 تشرين الثاني / نوفمبر، وقال أن الخطوة الأولى الجيدة يمكن أن تكون إعتقال الحارثي والأهول،... فعلى اليمن أن تحمل القتال إلى أرض القاعدة، وإذا كانت غير قادرة على أن تعتقل أو تقتل الرجال الموجودين على قائمة السي آي إى، أكمل بوش، فسيكون أكثر من سعيد بإرسال القوات الأميركية الخاصة". كان تعاون رئيس اليمن عليعبد الله صالح مع الولايات المتحدة جيداً إلى حدٍّ كبير... ولكن ومع وصول أوباما إلى منصبه كانت أمور اليمن مع القاعدة تسير من سيء إلى أسواء مع ظهور رجال القاعدة إلى اليمن، فأوباما الذي كان مستعداً للتعامل مع الحروب في أفغانستان والعراق، فإنه صرف مزيد من الوقت للنظر في اليمن، ففي الأيام الأولى من كانون الثاني / يناير، كانت اليمن لا تزال بالنسبة له مسألة ثانوية... ولكنها لم تبق كذلك، فبحلول أسبوعه الأول في المنصب، كان على أوباما الإجابة على السؤال الذي طرحته اليمن ومقاتلوها، وهو لم يبدأ حتى بالتفكير في المشكلة بعد... لقد عادت اليمن إلى اللعبة، بعد أن كانت قبل خمس سنين حكاية نجاح للولايات المتحدة، نصر مبكر في الحرب ضد القاعدة، والآن ضاعت تلك المكاسب وعادت القاعدة، وسوف يحتاج الرئيس أوباما وطاقمه إلى إيجاد طريقة لخوض نوع جديد من الحروب، وسوف يضطرون إلى فعل ذلك في أحد أسوأ البلدان ضيافةً في العالم، في أرضٍ تنهار نحو الحرب الأهلية والعنف وترتفع فيها أسعار الطعام وتجف الآبار. هذه هي تلك الحكاية، حكاية صعود القاعدة، وسقوطها، وإعادة إحيائها الاخير في اليمن، إنها قصة نجاح وإخفاق، قصة تحديات قرن جديد وطريقةٍ جديدة في فهم العالم، إنها قصة أميركا في حروبها.