وصف الكتاب:
يُطبع هذا الكتاب مرة ثانية بعد إنقضاء 36 سنة على إصداره الأول، عشية إنفجار حروب لبنان المتسلسلة، وهو تناول في ضوء تاريخ القرن التاسع عشر وحوادثه السياسية العسكرية والإجتماعية البارزة، إستشراء المنازعات والعلاقات بين الجماعات الأهلية (المذهبية والمحلية والعصبية العائلية) على "نظام" أو بنيان طائفي متماسك.وعلى خلاف رأي غالب عشية 1975، انتهى الكتاب إلى أن طائفية الجماعات الأهلية اللبنانية، وإستطراداً العربية، ليست إنبعاثاً مصطنعاً أو طبيعيّاً لعصبيات الجماعات القديمة والمزمنة، على ما رأى الخصوم أو الأنصار، وإنما هي وليدة نشأة الدولة الوطنية، الإدارية والتمثيلية والإقليمية المركزية، على أنقاض الولايات العثمانية ونظام السلطنة، فنشأة هذه الدولة، على صورتها الحديثة أو الغربية، حملت الجماعات على النزاع، وطلب السلطة وإقتسام الموارد ورعاية اللُّحمة الداخلية، من طرق وأوجه جديدة.وتصدرت الطرق والأوجه الجديدة هذه خلخلة المراتب القديمة داخل الجماعة الواحدة وبين الجماعات، وتقدمُ العامة على الأعيان، وسبلُ الكسب على المكانة والقوة، والعلاقة بالمصادر الأوروبية على الرابطة العثمانية الدينية والتاريخية، والسعي الفردي على تناصر الأقارب... وقوّى إستواء النزاعات على هذه المعايير والموازين لحمات الجماعات المتنازعة، بينما أدى إعمالها إلى تآكل اللحمات نفسها، وإنتشار النزاعات في صفوف أهلها وأصحابها.وعلى هذا، شهد تاريخ الدولة والمجتمع اللبنانيين، ويشهد فصولاً مختلفة من أحوال "النظام" الطائفي، شأن الدول والمجتمعات العربية، من بعد، وإلى يومنا؛ فتجدد مضامين "النظام" مع تجدد مضامين النزاع والصراع، وتعاقب الأدوار (الطوائف) وأصحابها، ومع تغير ملابسات الخلافات وإندلاعها والتحكيم فيها، وإذا صح أن الطائفية هي نقيض الدولة الوطنية والمدنية فهي كذلك صنع نشأتها المتعرجة والمجهضة في مجتمعات لم تطوِ مبانيها السلطانية الآسرة بعد.