وصف الكتاب:
إن الدراسات العربية لم تتناول مقومات الخطاب القرآني على الإطلاق، حتى بعدما اتسعت مجالات الدرس التداولي، وتعددت مناحي طرق تحليل الخطاب بشتى أنواعه. ذهبت تلك الدراسات في كل اتجاه، تدرس أنواعاً من النصوص الأدبية وأبعادها الاجتماعية والنفسية، ولم يعرج أي منها على القرآن، إلا إذا كان يهدف إلى قول مقرر سلفاً، أن القرآن معجز وفريد من نوعه، ولا يتماس مع أي من أنواع الخطابات الأخرى. ما الذي يمثله القرآن بالنسبة إلى عرب شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده؟ وما أبعاد تداخله مع النصوص الدينية الأخرى التي سبقته، والتي تمثل مدونات مقدسة لأمم عاشت في المنطقة السامية نفسها، وعاصر بعضها حياة العرب مع مبعث النبي وتوالي آيات القرآن، واكتمال المصحف؟ مثل هذه الأسئلة يتناولها كتاب «النص والخطاب والحياة» للمؤلف فالح شبيب العجمي بطريقة موضوعية وسهلة للقارئ. حيث يرى المؤلف أنه في إطار مضمون النص القرآني التبست على الدارسين المؤدلجين قضايا المضامين الفنية (ذات الطقوس الدينية والمصطلحات المرجعية) مع القضايا التاريخية البحتة، التي تدون أحداثاً جرت، أو تشير إلى مرجعية شخصية أو مكانية محددة. وقد أنتج ذلك الخلط إرباكاً شديداً في تماسك النصوص المتوالية ذات المرجعيات المختلفة، مع عدم الاهتمام أيضاً بقضية احتمال خلل الترتيب وتموقع بعض النصوص في غير سياقاتها الطبيعية. ويضيف الكاتب أنه في ما يخص التفريق بين سور القرآن المختلفة تبعاً لفتراتها الزمنية، المرتبطة بأوضاع مختلفة للمسلمين، وقياداتهم، وضروراتهم الدنيوية والتشريعية، فلم يعرها الأقدمون بالاً إلا من خلال إشارات عابرة بكون هذه السورة أو تلك، أو بعض آياتها مكية أو مدنية. لم يفكر الأقدمون ولا المعاصرون في ما يمكن أن يعنيه تغير المكان والجمهور المتلقي والزمن المتغير، في دلالات النص وظروفه التداولية. ويشير العجمي إلى أن ما يعترف به كثير من الدارسين هو أن للقرآن أثراً كبيراً في لغة العرب، وفي طرق تفكيرهم. مع ذلك كله، قلما نجد دراسات تتعمق في ذلك الأثر، إلا في ما يخص انتشار الألفاظ القرآنية في الأدب خلال الحقبة الإسلامية، ومدى تأثير ذلك في قوة الشعر أو ضعفه على وجه الخصوص. ومن الطبيعي أن طرق تناول القرآن لقضايا الحياة المختلفة غير محببة في أدبيات الدراسات الدينية المرتبطة بالقرآن. لكن الدراسات اللغوية والفلسفية المتعلقة بتلك الأبعاد غائبة أيضاً في محيط البحث العربي، لما يكتنفها من تأويلات وصعوبات لاحقة للباحثين. فضلاً عن أن التفريق بين القرآن والمصحف غير ذي بال في مخيلة من لا يرون في تحولات الآيات والسور في صيغتها الشفوية إلى تلك المدونة المتكاملة المقدسة في صيغتها المكتوبة والمحفوظة بين دفتي كتاب أي قيمة دلالية ومقاصد تواصلية. وفي الوقت نفسه، لا يفرق كثير من الدارسين المحدثين بين القرآن بوصفه نصاً، وبين أي من آياته بوصفها خطاباً، لأن القيمة التأويلية والدلالية بقيت في إطار المفاهيم المعجمية والحرفية للكلمات بوصفها بنى لغوية، يسقط عليها ما تراه ثلة من المفسرين الأوائل الذين أصبح خطابهم بديلاً للخطاب القرآني المنسي.