وصف الكتاب:
يتضمن هذا الكتاب بعض الدراسات عن تطور فقهي وإقتصادي/ إجتماعي مهم في المجتمع الإسلامي في مطلع العصر الحديث، ألا وهو وقف النقود؛ وعلى الرغم من أهمية هذا التطور، الذي يعتبره ج.ماندفل بحق من أهم الإسهامات العثمانية في الحضارة الإسلامية، إلاَّ أنه لم يحظ بالإهتمام المتوقع في الدراسات الحديثة التي تتناول المؤسسات الإقتصادية والإجتماعية للدولة العثمانية. وإذا كان الوقف بشكل عام قد توسع عبر ألف سنة ليصبح المرادف للإسلام في كل مكان، والإطار الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والإنساني الذي يوفر الخدمات الأساسية لمن يستحقها دون مقابل، فإن وقف النقود بشكل خاص فتح آفاقاً جديدة ومهمة في المجتمعات المسلمة، فعلى الرغم من تحريم الربا فإن تطور التجارة مع أقاليم العالم، وخاصة بعد إمتداد السلاجقة نحو الأناضول والإزدهار التجاري الجديد للمنطقة كجسر بين الشرق والغرب، لم يعد ممكناً تطور التجارة دون تطور أشكال جديدة للمعاملات المالية. وهكذا بعد "الحيل الفقهية" التي أراد منها الفقهاء الإلتفاف حول تحريم الربا، تطور الأمر إلى التساهل إزاء تشغيل الأموال بالفائدة طالما أن هذه الأموال تعود إلى جهة خيرية (الأوقاف) وطالما أن هذه الفائدة تصرف للمحتاجين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا التطور (وقف النقود) برز على الأرض في مطلع القرن الخامس عشر على الأقل، وفرض نفسه حوالي مئة عام إلى ان اقتنع كبار الفقهاء في الدولة العثمانية بجدواه وشرّعوه من خلال الفتاوى والرسائل. وفي الواقع أن هذا التطور في المفهوم والمصطلح يوضح كم كان يفصلنا عن القرن العشرين، ففي هذا القرن، أي بعد حوالي 500 سنة من هذا التطور، انشغل الفقهاء / الأئمة منذ محمد عبده وبكر الصرفي وحتى محمد شلتوت وسيد طنطاوي بالربا والبديل المناسب له لينتهي البعض منهم إلى إقتراح مصطلح "ربح" أو "عائد" بدلاّ من مصطلح "الفائدة" المرتبط في الأذهان بالربا. ومع أن هذا "التطور" جاء في وقت أضحت فيه مئات المليارات "المسلمة" في البنوك الغربية، إلاَّ أنه لحسن الحظ لدينا في الآفاق مبادرات مشجعة إلى إستلهام أفضل لهذا التراث المتمثل في وقف النقود. ومن هذا المنطلق، يأتي هذا الكتاب بدافع التعرف على أبعاد هذه التربية والتاريخية الرائدة (وقف النقود)، التي لا تزال قابلة للإستفهام، وهكذا يتضمن هذا الكتاب دراسة للباحث الأمريكي جون ماندفل "المردود الخيري للربا: الخلاف حول وقف النقود في الدولة العثمانية" التي تغطي - كما هو واضح من العنوان الخلاف بين الفقهاء - شيوخ الإسلام في الدولة العثمانية حول هذا التطور الجديد، بعد أن كان قد انتشر في الأناضول. وتتناول الدراسة الثانية للباحث البوسنوي عبده سوتشسكا "قروض الأوقاف في سراييفو" هذه التجربة في منطقة محددة (البوسنة)، بينما تغطي الدراسة الثالثة للأستاذ "محمد الأناضول" هذه التجربة إلى بلاد الشام.