وصف الكتاب:
تضمّ المجموعة القصصية جسد محرم تسعة عشر نصّاً قصصيّاً، تخوض في موضوعات عدة، ومن عناوينها: "النداء الأخير أيقظها"؛ "أرجوانيّة الهويّة"؛ "أربعون سنة رجلاً"؛ "إنتبه عذريّتي!"؛ "أنا زوجة ثانية!"؛ و"مونوز ترقص على الجفون". ومن قصّة بعنوان “الأبوَّة” نقتطف: قام من مرقده وسار نحو النافذة مثقلاً، لا توافيه الذاكرة بأي ماض. تحوم في ذهنه بضع أفكار ضوضائيّة، يعجز عن تحديد مصدرها. ضجيج علا خارجاً أفاق سكون أذنيه. رأى امرأة ترتدي فستاناً أزرق تعبر الطريق وتنظر بطرف عينيها إلى شبّان يقفون قرب الزاوية، ثم أطرقت برأسها وأكملت سيرها بخفّة يمامة وغنج غزالة. ضرب ذيل فستانها السماويّ الذي تماوج مع هبوب الريح أطراف ذاكرته، فحرّك فلول الماضي الراكد فيه. دقائق وعادت الشابّة مواجهة له هذه المرّة وفي يدها باقة ورد صغيرة أثارت في نفسه شيئاً. زاد من تأمّله لها، فغاصت ذاكرته في عينيها البنّيتين وثغرها الرقيق. لا حقها بعينيه لاهثاً وهي تقترب من منزله. فتحت البوابة الكبيرة بكل ثقة ودخلت الحديقة، فلمع شعرها البنّي الممتزج مع أشعة الشمس في وجهه، وانعكس صوراً غامضة في ذهنه. توجّهت المرأة نحو بلاطة بيضاء تعلو العشب قليلاً، وضعت الباقة عليها وتلمّستها بحنوّ فشعر هو بلمساتها تنصبّ اليه زئبقاً. إنها ابنته التي استودعها قبل خمسة عشر عاماً، وكان هي ابنة الثلاثة عشر ربيعاً، لقد باتت امرأة يافعة مفعمة بالحياة من دون أن تنسى ذكرى موته في هذا اليوم المقدس، يوم ولادة المسيح.