وصف الكتاب:
تأتي أهمية نشر الأعمال الشعرية لوديع سعادة (دار النهضة العربية) لسببين: الأول شكلي كون الشاعر نشر خمس مجموعات شعرية من أصل عشر مجموعات له بإصدار خاص، وبالتالي فإن هذه المجموعات غير متوافرة للقارئ ولا سيما مجموعته الأولى الريادية والمؤسِّسة 'ليس للمساء أخوة'. السبب الآخر هو موقع وديع سعادة في الشعر اللبناني، وهو موقع- في رأيي- لم يتمَّ التعاطي معه بالشكل الذي يليق به ويدلُّ عليه. أحسب أن وديع سعادة من أفضل الشعراء اللبنانيين ليس في جيله فحسب وإنما في الأجيال التي سبقته وتلته. من جهة هو وارث الشعر اللبناني الذي تقدّمه من نتاج شعراء المهجر إلى نتاج الحداثيين، شعراء قصيدة النثر. وراثة ذهب بها الشاعر إلى محل آخر وحساسية أخرى ولغة أخرى وموضوعات مغايرة تقريباً. قاموس سعادة هو قاموس المهجريين من ثلج وجبال وهضاب ومطر وغيم وأرض وسماء وشجر، أي كل ما بدا للمهجريين من عناصر الريف اللبناني مادة جمالية في القصيدة بعدما أضافوا إليها العاطفة. وهذه الأخيرة مفردة تجمع الحنين والتذكر والغناء في هذا المقصد. أخذ سعادة هذا المعجم بشكل مغاير ومتفاوت ما بين مجموعة وأخرى سآتي عليها لاحقاً. إلى قاموس المهجريين، عرف سعادة كيف يرث قصيدة النثر، ذلك الشكل الطازج آنذاك (أولى قصائده في مجموعة 'ليس للمساء أخوة' كتبها عام 1968)، ويأخذها أعمق إلى النثر من غير أن يتخلى عن غنائية هادئة ومنضبطة ليس في إيقاع الجملة بل في معنى عبارته الشعرية. من جهة أخرى، يبدو وديع سعادة شاعراً لم ينجُ منه أحد. هذه عبارة مخصوصة بلاحقيه من شعراء الثمانينات. لقد أثر وديع سعادة بجيل شعري كامل. معظم جيل الثمانينات أخذ جملة وديع، على الأقل في المجموعة الأولى لشعراء هذا الجيل: 'غيوم طويلة إنني أتذكر' لفادي أبو خليل، 'قصائد المنزل' لجوزيف عيساوي، 'المرقط' ليوسف بزي، 'المزغرد' لعلي مطر، 'أعتقد أنني سكران' لشبيب الأمين. بالطبع ليست هذه المجموعات تقليداً لوديع سعادة، لكن أثراً ما، قاموساً ما، تقنية المخيلة، طريقة الصدور إلى القصيدة، التقطيع، ملامح نجدها لدى سعادة كرائد في القصيدة اليومية ولا سيما في كتابين كُتبا في الحرب، بلغة الحرب، وتركا أثراً في جيل الثمانينات، جيل الحرب كما يُعرف هنا: 'رجل في هواء مستعمل يقعد ويفكر في الحيوانات' و'مقعد راكب غادر الباص'. في كل حال، لدي اعتقاد أن وديع سعادة كان له أثر في مجايليه أيضاً، في بعض شعراء السبعينات المكرّسين الذين انتقلوا من الإنشاد إلى القصيدة اليومية. وعليه، يبدو من نافل القول إن أثر وديع الذي أظنه وأتحسسه، لا يلغي خصوصية هؤلاء الشعراء الذين أسس كلٌّ منهم نصه الخاص، تحديداً في الكتب اللاحقة لإصداراتهم الأولى.