وصف الكتاب:
إن الموقف العثماني في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1901) من الحركة الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين ما يزال يعتبر حتى اليوم موقفاً مشرفاً وجريئاً، نظراً لرفض السلطان العثماني جميع الإغراءات الصهيونية واليهودية، المالية منها والاقتصادية والسياسية. وبسبب هذا الموقف قررت الحركة الصهيونية والقوى الدولية، والماسونية، والقوى العلمانية التركية، الثورة على السلطان عبد الحميد الثاني تحت ستار إعادة العمل بالدستور العثماني "المشروطية". وبالفعل فقد تحالفت هذه القوى وأعلنت الثورة عام 1908، غير أنها لم تكتف بالثورة، ورأت أن أطماعها في فلسطين لن تتحقق طالما بقي السلطان عبد الحميد الثاني في الحكم لقد ضاعفت الحركة الصهيونية جهودها متعاونة مع الدونمة، والماسونية والقوى الدولية، وجمعية الاتحاد والترقي، بهدف خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش، لأنها رأت أن أهدافها وتطلعاتها ومطالبها لن تحقق طالما بقي هذا السلطان-المعادي للصهيونية وللهجرة اليهودية إلى فلسطين، في الحكم من أجل ذلك تضافرت جميع الجهود لخلعه وإزاحته عن سدة السلطنة. وبالفعل فقد نجحت المؤامرة الصهيونية والدولية، المحلية في خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش عام 1909، وبذلك تحققت أولى أهداف الحركة الصهيونية، بالسماح لليهود بهجرات واسعة إلى الأراضي المقدسة في فلسطين. لقد دفع السلطان عبد الحميد الثاني عرشه وسلطته وحياته ثمناً لمواقفه الجريئة ضد محاولات الصهيونية إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، ولو على غرار نموذج متصرفية جبل لبنان (1861-1915) الذي سبق للزعيم الصهيوني تيردور هرتزل أن طالب بتحقيقه لليهود في فلسطين على غرار ما طبق للمسيحيين لا سيما الموارنة في جبل لبنان. وفي الفترة الممتدة بين أعوام (1909-1918) وهي سنوات النفي التي قضاها السلطان عبد الحميد الثاني في المنفى لا سيما في سالونيك معقل الصهيونية والدونمة والماسونية، فقد قضى قبل وفاته سنوات عجاف تعرف فيها لأقسى صفوف الذل والمهانة من شبان جمعية الاتحاد والترقي التي بغالبية أعضائها من اليهود والدونمة والماسونية أن القضية الفلسطينية التي نشأت منذ أكثر من مائة عام، وبالتحديد منذ نشوء الحركة الصهيونية عام 1897، ما نزال الشغل الشاغل لكل فلسطيني، ولكل عربي، ولكل مسلم. لا نبالغ القول إذا قلنا أن هذه القضية باتت قضية دولية تمثل مفصلاً أساسياً لكل قضايا المنطقة العربية وتفرعاتها، والتي ارتبطت بالقضايا الإقليمية والدولية وانطلاقاً من مبدأ "نفعية التاريخ"، وانطلاقاً من أهمية "الذاكرة التاريخية" كان لا بد من هذا البحث في موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية والذي حاول فيه الباحث توضيح السياسة العثمانية حيال فلسطين وما ترتب على هذه السياسة من نتائج في الفترة 1997-1909 معتمداً الأسلوب العلمي الوثائقي ومتجنباً الأسلوب العاطفي الذي لا يخدم قضية العلم ولا قضية فلسطين. وقد كان للوثائق التي استند إليها الباحث، والتي تنشر لأول مرة، دور بارز في إعطاء البحث أهميته وذلك لما لهذه الوثائق من دور مؤثر فيما يختص بموقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين.